للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا فسد الظاهر فليس فساده إلا من فساد الباطن، فمن صلح باطنه بقول القلب وعمله فلا بد من نطقه بالشهادتين، وعمله بالجوارح، فإذا لم ينطق بالشهادتين مع القدرة، ولم يعمل شيئًا من الأعمال دلَّ ذلك على فساد إيمانه الباطن، وهذا ما سبق تقريره مرارًا.

يقول الإمام ابن تيمية: "وإذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة؛ لأنها لوازم ما في القلب؛ لأنه متى ثبت الإيمان في القلب، والتصديق بما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة؛ فإنه ما أسرَّ أحد سريرة إلا أبداها اللّه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلف العمل بمقتضاه البتة، فلا تستقر معرفة تامة، ومحبة صحيحة ولا يكون لها أثر في الظاهر، ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه؛ فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم؛ كقوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١)} [المائدة: ٨١]، وقوله: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢]، ونحوها، فالظاهر والباطن متلازمان، لا يكون الظاهر مستقيمًا إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر (١)؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّه، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" (٢) " (٣).


(١) قصده -والعلم عند اللّه تعالى- باستقامة الباطن والظاهر هنا: أي: الاستقامة الحقيقة التي يترتب عليها صلاح العمل، وصحته، وقبوله عند الله تعالى، وأما الاستقامة الظاهرية مع عدم الصحة والقبول عند الله فلا يلزم منه صلاح الباطن وصحته، وبذلك تخرج أعمال أهل النفاق.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه (١/ ٢٨)، برقم (٥٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات (٣/ ١٢٩١)، برقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير.
(٣) مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٧٢).