للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام ابن رجب: "ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسلة" (١).

أما المحبة مع الله تعالى فهي أن يحب غيره سبحانه معه محبة ذاتية، وهذا كما سبق على ضربين؛ إما أن يحب غيره محبة كحبه وهي المحبة الخاصة التي تستوجب قصد المعبود بالعبادة والذل التام والخضوع للمعبود، وكمال التعظيم، والانقياد له بالطاعة، وهذه هي المحبة الشركية التي توقع صاحبها في الشرك الأكبر الذي لا يبقى معه مثقال ذرة من الإيمان، فبوجود هذه المحبة يزول أصل الإيمان والتوحيد، ويخرج بها الإنسان عن دين الإسلام.

ومعلوم أن المحبة تتبع العلم والمعرفة والاعتقاد كما سبق بيانه، فهؤلاء الذين وقعوا في المحبة الشركية مع الله تعالى قد صرفوا لمعبوداتهم بعض صفات الرب تعالى؛ كعلم الغيب، والاستقلال بالنفع والضر، فصاروا يدعون أندادهم من دون الله لما اعتقدوا فيهم من صفات الرب، ومالت قلوبهم إليهم وصرفوا لهم أنواع العبادة من دون الله تعالى من الحب والخوف والخضوع والذل، وبذلك وقعوا في المحبة الشركة مع الله تعالى.

فمن أحب ما سوى الله تعالى، معتقدًا فيه بعض صفات الرب فهذا يكون قد أشرك به في المحبة، فالذي يحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه يعلم الغيب (٢)، فقد عبده بالمحبة حبًّا يخرجه من الإسلام بالكلية؛ لأن علم


(١) جامع العلوم والحكم (٣٨٩)، وانظر: مرقاة المفاتيح (٩/ ٢٥٤).
(٢) كما قال قائلهم يمدح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
انظر: بُردة المديح للبوصيري (ص ٣٥)، ولا شك أن هذه المحبة المبنية على هذا الاعتقاد في النبي -صلى الله عليه وسلم- من المحبة الشركية كالذين اتخذوا من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله. يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رده على البوصيري: "وأضاف المتكلم إلى هذا إثبات عموم العلم وإحاطته بالكليات والجزئيات، وأن الدنيا والآخرة حصلتا وكانتا عن جوده وإحسانه، بل بعض جوده. =