للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الله تعالى قد حكم بالكفر وحبوط الأعمال على من وُجِدَ في قلبه كراهية وبغض لشيء من الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد معرفته بذلك، وعلمه بأنه من عند الله تعالى أنزله على نبيه عليه السلام، فهذا إذا كان في شيء من الدين، فكيف بمن وُجِدَ في قلبه شيء من بغض النبي -صلى الله عليه وسلم- وبغض القرآن بل وبغض الرب تبارك وتعالى.

يقول الإمام الطبري: "وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [محمد: ٩] يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهم من الإتعاس وإضلال الأعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسخطوه فكذبوا به، وقالوا: هو سحر مبين.

وقوله: {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} يقول: فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وذلك عبادتهم الآلهة لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة، بل أوبقهم بها فأصلاهم سعيرًا، وهذا حكم الله جل جلاله في جميع من كفر به من أجناس الأمم" (١).

ويقول الإمام السمعاني: "قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩) أي: كرهوا نبوة محمد وما أنزله الله من القرآن" (٢).

فكل من أبغض شيئًا من الكتاب والسُّنَّة، عالمًا بأنه كلام الله وشرعه ودينه، فكرهه من أجل ذلك فإنه بذلك يكون قد نقض أصل المحبة؛ إذ البغض يدل على عدم الرضى والتسليم والقبول للشرع، وجميع ذلك من النفاق الأكبر المخرج عن الملة.

يقول الإمام ابن تيمية: "فقد دل الكتاب والسُّنَّة على أن من في قلبه


(١) تفسير الطبري (٢٦/ ٤٦).
(٢) تفسير السمعاني (٥/ ١٧١)، وانظر: تفسير القرطبي (١٦/ ٢٣٣)، تفسير ابن كثير (٤/ ١٧٥)، روح المعاني (٢٦/ ٤٥)، تفسير السعدي (ص ٧٨٥).