للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى، بل هو أصل الزيغ عن الصراط المستقيم، فالهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه فيرى الحق باطلًا، والباطل حقًا، وإما أن يظهر له الحق ويستبينه فيتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم، فإن الحق لا يجتمع مع اتباع الهوى أبدًا، بل هو صارف عن الحق معرفة وقصدًا.

وأصل ذلك كله من خلو القلب من محبة الله تعالى، والإخلاص له، وتعظيمه والخضوع والذل له، والوقوف مع أمره ونهيه، ومحابه ومساخطه، والتشريك بينه وبين غيره في المحبة، ومن محبة ما يحبه لغير الله، فيقول ذلك بالقلب، ويعمل بموجبه بالجوارح، وإلا لو كان في القلب وجدان حلاوة الإيمان، وذوق طعمه أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها، وإذا خلا القلب من ذلك احتاج إلى أن يستبدل به ما يهواه ويتخذه إلهه، وهذا من تبديل الدين وتغيير فطرة الله التي فطر عباده عليه، وهذا هو حقيقة اتباع الهوى (١).

ولذا جاء ذمه في القرآن الكريم، فلم يأت ذكره إلا في معرض الذم والتقبيح (٢)، ومما ذكره الله تعالى في شأن الهوى واتباعه.

يقول الإمام الطبري في معنى قوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ} [الجاثية: ٢٣] بعد ذكره للخلاف: "معنى ذلك: أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه، فيعبد ما هوي من شيء دون إله الحق الذي له الألوهة من كل شيء" (٣).

فكل من عَبَدَ مع الله غيره فهو في الحقيقة عَبْدٌ لهواه، بل كل ما


(١) انظر: إغاثة اللهفان (٢/ ١٥٢ - ١٥٦).
(٢) انظر: تفسير السمعاني (٣/ ٩٨)، ذم الهوى لابن الجوزي (ص ١٢)، روضة المحبين (ص ٤٦٩)، والموافقات (٢/ ١٧٠)، والاعتصام (٢/ ١٨٠).
(٣) تفسير الطبري (٢٥/ ١٥٠).