للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأولى؛ ولهذا اختص من بين سائر الحيوانات بإرسال الرسل إليه، وبالأمر والنهي، والثواب والعقاب، فجعل سبحانه في عقله ما يفرق بين الحسن والقبح، وما ينبغي إيثاره وما ينبغي اجتنابه" (١).

بل إن جميع ما يجده الإنسان في نفسه، أو يفعله بجوارجه بدون سابق تعلم مكتسب -بأحد وسائل الحصول على المعرفة- يعتبر أمرًا فطريًا ضروريًا في النفس البشرية. وهذا هو المقصود من قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه: ٥٠].

ثم جاء في النصوص الشرعية إضافة الفِطْرَة إلى الله -سبحانه وتعالى-، فعظمت بذلك مكانتها، وعلت مرتبتها، وازدادت شرفًا ورفعة بهذه النسبة، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، وهذه الفطرة جاءت متعلقة بخلق الإنسان دون الحيوان والجماد، وبذلك يظهر أن خلق الإنسان يختلف عن بقية الخلق، حيث إنه وجد على صفة كريمة، وحالة شريفة، وهيئة مخصوصة، ووضعية ممدوحة تميزه عن بقية الخلق (٢).

وقد تعددت أقوال أهل العلم في معنى الفِطْرَة التي خلق الله عليها الخلق، وكثرت أقوالهم فيها، وأشهر الأقوال في ذلك، وعليه جملة السلف وجمهورهم، وهو الراجح الصحيح بإذن الله تعالى: أن المراد بالفطرة دين الإسلام (٣) المتضمن للمعرفة والإقرار، وما يتبع ذلك من


(١) مفتاح دار السعادة (٢/ ١١٦).
(٢) جاءت نصوص الفِطْرَة مسندة إلى الإنسان، كقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وكما في اَية الميثاق، وفي الحديث: "يولد المولود على الفِطْرَة"، فهل يدخل الجن في هذه الفِطْرَة أم لا؟ وقد ذكر بعض أهل العلم ما يدل على ذلك، يقول ابن حزم: "فصح يقينًا أنه كل من مات قبل أن تجتاله الشياطين عن دينه فقد مات حنيفًا، وهذا حديث تدخل فيه الملائكة والجن والأنس عباد له -عز وجل- مخلوقين". [الفصل في الملل والأهواء (٤/ ٦٥)].
(٣) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (٣/ ١٠٢)، وممن ذهب إلى تفسير الفِطْرَة الواردة في الحديث بالإسلام: أبو هريرة -رضي الله عنه-، وابن شهاب الزهري، وذكر ذلك عن عكرمة، =