للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى بها وهل يأمر الله تعالى قط بالكفر" (١).

وقال الإمام العيني في معنى حديث الفِطْرَة: "قلت: الغرض من التركيب أن الضلالة ليست من ذات المولود، ومقتضى طبعه، بل أينما حصلت فإنما هي بسبب خارج عن ذاته" (٢).

ثانيًا: دلت القاعدة على أن الفِطْرَة هي الحنيفية والتوحيد المبنية على المعرفة والإقرار، فالفطرة السليمة هي الإقرار بالخالق ومعرفته ومحبته، وأما مجرد المعرفة بالخالق فإنه جزء الفِطْرَة، ولا يعتبر بمفرده الفِطْرَة الممدوحة في الكتاب والسُّنَّة، بل إن المقر بمعرفة الله ووجوده بقلبه ولسانه بدون الإرادة والمحبة والتوحيد لا يعد ممن تحققت فيه الفِطْرَة السليمة التي فطر الله الخلق عليها، بل هو ممن تبدلت وتغيرت فطرته.

يقول الإمام ابن تيمية ناقلًا عن الإمام ابن عبد البر اختلاف العلماء في معنى الفِطْرَة، وأن منهم من فسَّرها بمعرفة الله تعالى، فقال: "فقال ابن عبد البر: وأما اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث، وما كان مثله، فقالت فرقة: الفطرة في هذا الموضع أريد بها الخِلْقَة التي خُلِقَ عليها المولود من المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خِلْقَه يَعْرِفُ بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خِلْقَة مخالفة لِخِلْقَة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك؛ قالوا لأن الفاطر هو الخالق.

قال -أي: ابن عبد البر-: وأنكرت أن يكون المولود يُفْطَرُ على إيمان، أو كفر، أو معرفة، أو إنكار.

قلت: صاحب هذا القول إن أراد بالفطرة التمكن من المعرفة


(١) المصدر نفسه (٨/ ٤٢٦).
(٢) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (٨/ ١٧٧).