للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقدرة عليها فهذا ضعيف؛ فإن مجرد القدرة على ذلك لا يقتضي أن يكون حنيفًا، ولا أن يكون على الملة، ولا يحتاج أن يذكر تغيير أبويه لفطرته، حتى يُسْأَل عمن مات صغيرًا؛ ولأن القدرة هي في الكبير أكمل منها في الصغير، ولو أريد القدرة لكان البالغون كذلك، مع كونهم مشركين، مستوجبين للقتل.

وإن أراد بالفطرة: على المعرفة مع إرادتها؛ فالقدرة الكاملة مع الإرادة التامة تستلزم وجود المراد المقدور، فدل على أنهم فطروا على القدرة على المعرفة وإرادتها وذلك مستلزم للإيمان" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "فالإقرار بالصانع بدون عبادته والمحبة له وإخلاص الدين له لا يكون نافعًا، بل الإقرار مع البغض أعظم استحقاقًا للعذاب، فلا بد أن يكون في الفطرة متقض للعلم، ومقتض للمحبة، والمحبة مشروطة بالعلم؛ فإن ما لا يشعر به الإنسان لا يحبه، ومحبة الأشياء المحبوبة لا تكون بسبب من خارج، بل هو أمر جبلي فطري، وإذا كانت المحبة فطرية فالشعور فطري، ولو لم تكن المحبة فطرية لكانت النفس قابلة لها ولضدها على السواء، وهذا ممتنع" (٢).

ثالثًا: ليس المقصود بأن الخلق يفطرون على الإسلام، وأن المولود يولد على الفِطْرَة، أنه يكون حين يولد عارفًا لهذا الدين معتقدًا ومحبًا له، وإنما المراد أنه يولد سليمًا من الاعتقادات الباطلة؛ من وثنية، ونصرانية، ويهودية، فتكون نفسه متهيئة متقبلة للحق، وهو الإسلام والتوحيد والميل إلى الدين، وبغض الشرك والنفرة منه.

يقول الطيبي في معنى الفِطْرَة الواردة في الحديث: "والمراد تَمَكُّن الناس من الهدى في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن حسن هذا الدين


(١) درء التعارض (٨/ ٣٨٤ - ٣٨٥).
(٢) أحكام أهل الذمة (٢/ ١٠٦٨).