للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به، وأما الوجه الذي وقع عليه الفعل فهو الأغراض والنيات، فكل ما عرفناه أن غرض في الفعل اعتبرناه، ويدخل في ذلك نية الوجوب والنفل، ألا ترى أنه لو صام واجبًا فتطوعنا بالصوم لم نكن متأسين به، وكذلك لو تطوع بالصوم فافترضنا به، وإذا لم يكن له في الفعل غرض مخصوص لم يجب اعتباره؛ لأنه لو أزال النجاسة لا لأجل الصلاة لم يجب إذا تأسينا بها في إزالتها أن ننوي به ذلك، وقد يدخل المكان والزمان في الأغراض، وقد لا يدخلان فيه، فمتى علمنا كونهما غرضين اعتبرناهما وإلا لم نعتبر؛ أمثال ذلك: الوقوف بعرفة، وصوم شهر رمضان، وصلاة الجمعة.

وإنما شرطنا أن نفعل الفعل لأنه -صلى الله عليه وسلم- لو صلى فصلى مثل صلاته رجلان من أمته؛ لأجل أنه صلى لوصف كل واحد منهما بأنه متأس به -صلى الله عليه وسلم-، ولا يوصف كل واحد منهما بأنه متأسٍ بالآخر" (١).

ويقول أبو بكر الجصاص في معنى التأسي به -صلى الله عليه وسلم-: "لأن التأسي به: هو أن نفعل مثل ما فعل، ومتى خالفناه في اعتقاد الفعل، أو في معناه لم يكن ذلك تأسيًا به؛ ألا ترى أنه إذا فعله على الندب وفعلناه على الوجوب كنا غير متأسين به، وإذا فعل -صلى الله عليه وسلم- فعلًا لم يجز لنا أن نفعله على اعتقاد الوجوب فيه حتى نعلم أنه فعله على ذلك، فإذا علمنا أنه فعله على الوجوب لزمنا فعله على ذلك الوجه" (٢).

ويقول الشاطبي: "والتأسي: إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله" (٣).

رابعًا: ومما يدل على صحة القاعدة: أن التقرب إلى الله بفعله -صلى الله عليه وسلم- الذي فعله بدافع الجبلة والعادة، ولم يفعله تعبدًا لله تعالى يؤدي


(١) انظر: المعتمد (١/ ٣٤٣)، بتصرف.
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٢٢٤).
(٣) الموافقات (٤/ ٢٤٧).