للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته؛ لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء؛ لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه" (١).

فكل ما سبق من النصوص، ومن أقوال أهل العلم يدل على أن شرك المشركين كان بسبب اتخاذ الشركاء والنظراء الذين شبهوهم بالله تعالى، فصرفوا لهم العبادة والتأله والمحبة والتذلل التي هي من خصائص الرب تبارك وتعالى، ولذا اشتملت جميع النصوص السابقة على النفي أو النهي عن هذا التشبيه الشركي.

يقول الإمام ابن القيم: في ذكر أسباب عبادة الأصنام وأن منها الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته: "حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله.

فهو سبحانه ينفي وينهى أن يجعل غيره مثلًا له، وندًّا له، وشبهًا له، لا أن يُشَبَّه هو بغيره؛ إذ ليس في الأمم المعروفة أمة جعلته سبحانه مثلًا لشيء من مخلوقاته، فجعلت المخلوق أصلًا وشبهت به الخالق، فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم، وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك؛ غلوا فيمن يعظمونه ويحبونه حتى شبهوه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله وأنكروا جعل الآلهة إلهًا واحدًا، وقالوا: {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: ٦]، وصرحوا بأنه إله معبود، يرجى، ويخاف، ويعظم، ويسجد له، ويحلف باسمه، وتقرب له القرابين إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى. فكل مشرك فهو مُشَبِّه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه وإن لم يُشَبِّهْهُ


(١) تفسير السعدي (ص ٧٥٤).