للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثًا: أدلة دلت على أن الله هو المالك الحق للشفاعة دون غيره من الآلهة، ومع ملكه التام لها فقد أذن لمن شاء من عباده أن يشفع فيمن شاء منهم، ومن تلك الأدلة:

قوله عز وجل: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)} [الزخرف: ٨٦]، وقوله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)} [مريم: ٨٧].

نفى الله سبحانه في الآيتين الشفاعة عمن دعي وعبد من دونه ثم استثنى بعد ذلك، وهذا الاستثناء فيه قولان لأهل العلم: الأول: أنه استثناء متصل، فقيل: المستثنى هو الشافع، وقيل بل هو المشفوع له، والثاني: أن الاستثناء في الآية منقطع وهذا هو الراجح (١).

يقول الإمام ابن تيمية بعد ذكره للقولين: "قلت: كِلا القولين معناه صحيح، لكن التحقيق في تفسير الآية أن الاستثناء منقطع، ولا يملك أحد من دون الله الشفاعة مطلقًا لا يستثنى من ذلك أحد عند الله، فإنه لم يقل: ولا يشفع أحد، ولا قال: لا يشفع لأحد، بل قال: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ}، وكل من دعي من دون الله لا يملك الشفاعة البتة، والشفاعة بإذن ليست مختصة بمن عبد من دون الله" (٢).

وقال رحمه الله أيضًا: "والمقصود هنا أن قوله: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} قد تم الكلام هنا، فلا يملك أحد من المعبودين من دون الله الشفاعة البتة، ثم استثنى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)} فهذا استثناء منقطع، والمنقطع يكون في المعنى المشترك بين


(١) ورجح هذا القول جمع من أهل العلم منهم الإمام ابن تيمية كما في النقل الآتي، وابن القيم، وابن كثير في تفسيره (٣/ ١٣٩)، و (٤/ ١٣٧)، وغيرهم، وانظر: أضواء البيان (٣/ ٥١٦).
(٢) مجموع الفتاوى (١٤/ ٤٠٢)، وانظر: الرد على الإخنائي (ص ١٣٥).