للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعًا: دلت القاعدة على أن الشفاعة ملك لله تعالى ليس لأحد من الخلق حق فيها، بحيث يشفع لمن شاء كيف شاء في الوقت الذي يشاء، وهذا ما أوقع أهل الشرك والتنديد في الشرك بالله العظيم، حيث ادعوا لآلهتهم وأوليائهم هذا الحق، والشبهة التي أوقعتهم في هذا الجرم العظيم أنهم قاسوا الله تعالى على ملوك الدنيا حيث لا تستطيع الرعية سؤال الملك والطلب منه مباشرة، وإنما يرفعون أمرهم إلى المقربين من حاشية الملك وخاصته، وهم يرفعونها إلى الملك، فحقيقة أمرهم تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا من أقبح الشرك والتنديد.

وممن فنَّد هذه الشبهة وأطال في إبطالها الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في معرض رده على زعم مشركي العرب بأن للملائكة حق الاختيار في الشفاعة بدون إذن الله تعالى، فقال رحمه الله: "شبهة هذا الفريق هي القياس على ملوك الدنيا كأنهم يقولون إننا نرى الملك من ملوك الدنيا لا يخلو أن يكون لديه أشخاص مقربون تعرض الناس عليهم حوائجهم فيعرضها المقربون على الملك، ويسألونه قضاءها فيقضيها إكرامًا لهؤلاء المقربين وَيُعَدُّ هذا من تمام عظمة الملك؛ لأن من الحوائج ما لا يَحْسُن عرضها على الملك بدون واسطة، ومن أصحاب الحوائج من لا يليق لمخاطبة الملك؛ إما لدناءته، وإما لإساءة تقدمت منه، ومنهم من لا يستحق أن تقضى حاجته، ولكن إذا شفع فيها أحد المقربين قضاها الملك؛ لأن ذلك المقرب يستحق الإكرام.

الجواب: قد أبطل الله عز وجل هذه الشبهة بإخباره أن الملائكة لا يشفعون إلا بعد أن يأذن لهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، فهم بغاية التعظيم لربهم عز وجل والمحبة له، والاجتهاد في مرضاته. إن أحبوا أن يشفعوا لأحد فإنما ذلك لعلمهم بأن ربهم تبارك وتعالى يحب الشفاعة له ويرضاها، وقد أخبر الله تعالى عن بعض شفاعتهم بقوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ