للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب محرك له من خارج كسائر الأسباب التي تحرك الأسباب، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقه كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه وقد يكون عنده ما يخالفه كمن يشفع إليه" (١).

ويقول الإمام الصنعاني: "وأما قياس رب العالمين على الكبراء حيث يتخذ الرجل من خواصه وأوليائه من يشفع عنده في الحوائج، فهذا قياس فاسد، والفرق بينهما هو الفرق بين الخلق والخالق، والرب والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجة له إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره، فأي قياس أبطل في الوجود من هذا القياس، مع مخالفته النصوص القرآنية، والسُّنَّة الإلهية، والطريقة الإيمانية" (٢).

خامسًا: أفادت القاعدة جواز طلب الشفاعة ممن أذن له الرب تبارك وتعالى حال حياته وفي حضوره بعد رضاه عن المشفوع له، والله تعالى لا يرضى إلا بالتوحيد وإخلاص الدين له، وعليه فمن كان واقعًا في الشرك بالله العظيم فإن الله لا يأذن في الشفاعة فيه مطلقًا ولو بلغ الشفيع من المكانة والمنزلة ما بلغ.

يقول الله تعالى في شأن الكافرين: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} [المدثر: ٤٨]، وقال سبحانه: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨)} [غافر: ١٨]، وقال تعالى حاكيًا لقولهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠)} [الشعراء: ١٠٠]، وقال عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (١٣)} [الروم: ١٣]، وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣)} [الزمر: ٤٣].


(١) إغاثة اللهفان (١/ ٢٢٢).
(٢) الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف، للصنعاني (ص ٦١).