للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سبحانه عن الملائكة: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)} [الأنبياء: ٢٨]، مع قوله: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: ٧].

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض" (١).

ويقول الإمام ابن تيمية: "وأما الشفاعة والدعاء: فانتفاع العباد به موقوف على شروط وله موانع، فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم، ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهًا -فلا شفيع أعظم من محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم الخليل إبراهيم، وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له كما قال تعالى عنه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)} [إبراهيم: ٤١].

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداء بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)} [التوبة: ١١٣] " (٢).

سادسًا: الأصل الذي دلت عليه الأدلة المتعاضدة من الكتاب والسُّنَّة، أن الكفار الذين ماتوا على الشرك لا تنالهم الشفاعة أبدًا، ولا


(١) أضواء البيان (١/ ٣٥)، ويقول أيضًا في معنى قوله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)} [مريم: ٨٧]: "أي: لا يملك المجرمون الشَّفاعة؛ أي: لا يستحقون أن يشفع فيهم شافع يخلصهم مما هم فيه من الهول والعذاب ... وهذا الوجه يفهم منه بالأحرى أن المجرمين لا يشفعون في غيرهم؛ لأنَّهم إذا كانوا لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم لكفرهم، فشفاعتهم في غيرهم ممنوعة من باب أولى". [المصدر السابق (٣/ ٥١٥)].
(٢) مجموع الفتاوى (١/ ١٤٥)، وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٤/ ٥٣).