للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعبودًا، وكان خاضعًا ذليلًا، راجيًا محبًا، قائمًا وساجدًا لزمه أن يسأل ربه في كل ما يحتاجه من أمور دينه ودنياه، كأن يسأله القبول والثواب لما يقوم به من العبادة، وهو متضمن لدعاء المسألة بلسان الحال؛ إذ العابد المعظم لمعبوده هو في الحقيقة سائل وطالب منه الرضا والمثوبة.

كما أن دعاء المسألة متضمِّن لدعاء العبادة؛ بمعنى: أن بعض أفراد دعاء العبادة داخلة في دعاء المسألة؛ وذلك لكون الداعي دعاء المسألة عابد لله تعالى بسؤاله، ورغبته، والتضرع إليه، والابتهال إليه، والانطراح بين يديه، وهو يرجو قبول دعوته، وقضاء حاجته، وهو مع ذلك خائف من طرده، وعدم قبول دعوته، فهذا هو لب العبادة، ومخها، وروحها، وحقيقتها (١).

أو يقال: العلاقة بينهما السببية والمسببية، فإن العبادة سبب للدعاء؛ فإن من عبد شيئًا، فإنَّه يدعوه عند احتياجه إليه، وهذا هو الغالب من حال من يعبد غيره أن يلتجئ إليه في المسألة ليعرف مراده إذا سمع دعاءه، ثم يستجيب له في بذل منفعة، أو دفع مضرة (٢).

ويمكن القول بأن دعاء العبادة ودعاء المسألة يشبه الألفاظ التي إذا اجتمعت في الذكر افترقت في المعنى، وإذا افترقت في الذكر اجتمعت في المعنى؛ ولذا لا يتصور الانفكاك بينهما.

يقول الإمام ابن تيمية: "اعلم أن لفظ الدعاء والدعوة يتناول معنيين: دعاء العبادة ودعاء المسألة، وكل عابد سائل، وكل سائل عابد، فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، وإذا جمع بينهما فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة، ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب،


(١) انظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، للعروسي (١/ ١١٦).
(٢) انظر: صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان نقلًا عن الرازي (ص ٤٣٤).