للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشيخ عبد الله أبا بطين بعد نقله لكلام الإمام ابن القيم -وهو بمعنى كلام شيخ الإسلام-: "فعلى هذا فنهيه سبحانه عن دعاء غيره نص في دعاء العبادة ودعاء المسألة حقيقة، فهو نهي عن كل واحد منهما حقيقة" (١).

ثالثًا: قد يقترن بسياق النصوص الوارد فيها الدعاء ما يرجح أحد النوعين على الآخر مع اعتبار الآخر، وكونه داخلًا في معنى النص، فقد يقترن ببعض النصوص من القرائن ما يجعل دعاء العبادة أظهر من دعاء المسألة أو العكس، ولا يقتضي هذا الظهور عدم اعتبار المعنى الآخر.

وهذا يعتبر بمثابة الضابط للتفريق بين دعاء العبادة ودعاء المسألة في النصوص الشرعية، وقد أشار الإمام ابن تيمية إلى بعض ذلك فقال: "وكل موضع ذكر فيه دعاء المشركين لأوثانهم فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة، فهو من دعاء العبادة أظهر لوجوه ثلاثة:

أحدها: أنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، فاعترفوا بأن دعاءهم إياهم عبادتهم لهم.

الثاني: أن الله تعالى فسر هذا الدعاء في موضع آخر كقوله تعالى: {يلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)} [الشعراء: ٩٢، ٩٣]، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)} [الأنبياء: ٩٨]، وقوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} [الكافرون: ٢]، فدعاؤهم لآلهتهم هو عبادتهم.

الثالث: أنهم كانوا يعبدونها في الرخاء فإذا جاءتهم الشدائد دعوا الله وحده وتركوها، ومع هذا فكانوا يسألونها بعض حوائجهم،


= منهما فيكون مشتركًا اشتراكًا لفظيًا، أو حقيقة في القدر المشترك بينهما وهي الأسماء المتواطئة، وهي الأسماء العامة كلها، وعلى الأول يلزم المجاز، وعلى الثاني يلزم الاشتراك، وكلاهما خلاف الأصل، فوجب أن يجعل من المتواطئة، وبهذا يعرف عموم الأسماء العامة كلها". [مجموع الفتاوى (٧/ ١٠٨)].
(١) تأسيس التقديس في كشف تلبس داود بن جرجيس (ص ١٠٢).