للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحاجة والضرورة؛ لأنها ظلم في حق الربوبية، وظلم في حق المسؤول، وظلم في حق السائل، أما الأول: فلأنه بَذَل سؤاله وفَقْرَه وَذُلَّه واستعطاءه لغير الله، وذلك نوع عبودية، فوضع المسألة في غير موضعها، وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيدَه وإخلاصَه وفقرَه إلى الله، وتوكلَه عليه، ورضاه بقسمه، واستغنى بسؤال الناس عن مسألة رب الناس، وذلك كله يهضم من حق التوحيد، ويطفئ نوره، ويضعف قوته" (١).

رابعًا: دلت القاعدة على أن الشرك واتخاذ الشفعاء هضم وتنقص من جناب الربوبية، فالمشرك بالله تعالى واقع في هذا التنقص شاء أم أبى، ولا ينفعه أنه إنما كان قصده تعظيم الباري جل وعلا، وأنه بسبب إجلاله وإعظامه لا يستطيع أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء، فإن تعظيمه هذا الذي اعتقده هو محض التنقص، وخالص الظلم.

يقول ابن القيم: "فإن قلت إذا كان من اتخذ شفيعًا عند الله إنما قصده تعظيم الرب تعالى وتقدس أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء؛ فلم كان هذا القدر شركًا؟ قيل: قصده للتعظيم لا يدل على أن ذلك تعظيم لله تعالى، فكم مَنْ يقصد التعظيم لشخص ينقصه بتعظيمه؛ ولهذا قيل من في المثل المشهور: يضر الصديق الجاهل ما لا يضر العدو العاقل؛ فإن اتخاذ الشفعاء والأنداد من دون الله هضم لحق الربوبية، وتنقص للعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦)} [الفتح: ٦]، فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده؛ ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره، وكيف يقدره حق قدره من اتخذ من دونه ندًّا، أو شفيعًا يحبه، ويخافه،


(١) مدارج السالكين (٢/ ٢٣٢).