للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الوهاب في أحد أبواب كتاب التوحيد، والتي افتتحها بقوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: ١٥٤]: "أراد المصنف بهذه الترجمة التنبيه على وجوب حسن الظن بالله؛ لأن ذلك من واجبات التوحيد، ولذلك ذم الله من أساء الظن به؛ لأن مبنى حسن الظن على العلم برحمة الله، وعزته، وإحسانه، وقدرته، وعلمه، وحسن اختياره، وقوة المتوكل عليه، فإذا تم العلم بذلك أثمر له حسن الظن بالله، وقد ينشأ حسن الظن من مشاهدة بعض هذه الصفات، وبالجملة فمن قام بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته قام به من حسن الظن ما يناسب كل اسم وصفة؛ لأن كل صفة لها عبودية خاصة، وحسن ظن خاص" (١).

وعليه فيختلف حسن الظن وتتفاوت درجاته بحسب ما يقوم بقلب العبد من العلم والمعرفة، ويقبح سوء الظن ويزداد شناعة وسوءًا بحسب ما يقوم بقلب العبد من قلة العلم والمعرفة بالله تعالى وبأسمائه وصفاته؛ فمنه ما يصل إلى الحد المخرج عن ملة الإسلام، ومنه ما يعتبر نقصًا في إيمان العبد، وخدشًا في توحيده فيكون من الشرك الأصغر.

ويبين الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله صلة حسن الظن بالعلم بالله، ومعرفة أسمائه وصفاته، واعتقاد كماله وعظمته، فيقول: "وذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله من أسمائه وصفاته وكماله، وتصديقه بكل ما أخبر به، وأنه يفعله، وما وعد به من نصر الدين، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، فاعتقاد هذا من الإيمان، وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان، وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد؛ لأنها سوء ظن بالله، ونفي لكماله، وتكذيب لخبره، وشك في وعده" (٢).


(١) تيسير العزيز الحميد (ص ٥٧٨).
(٢) القول السديد في مقاصد التوحيد (ص ١٧٥).