للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نهى الله عن سب آلهة المشركين؛ لأنَّهم يتحمسون لدينهم ويتعصبون له؛ ... وفي هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية وهي: أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرَّم ولو كانت جائزة تكون محرمة إذا كانت تفضي إلى الشر" (١).

ولكن إذا كان شتم المؤمنين للأصنام من الطاعات العظيمة التي يحبها الله تبارك وتعالى، فما هي الحكمة من نهي الله تعالى عن سب آلهتهم، والجواب: أن هذا الشتم وإن كان طاعة إلا أنه إذا وقع على وجه يستلزم وجود منكر عظيم وجب الاحتراز منه، والأمر هاهنا كذلك؛ لأن هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله، وشتم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى فتح باب السفاهة، وعلى تنفيرهم عن قبول الدين، وإخال الغيظ والغضب في قلوبهم؛ فلكونه مستلزمًا لهذه المنكرات وقع النهي عنه (٢).

ثانيًا: قوله تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)} [البقرة: ١٠٤].

تضمنت الآية الكريمة نهي المؤمنين عن قول (راعنا) للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لكون اليهود كانوا يقولونها على أساس أنها (راعن) من الرعونة، وهي الجهل، يقولونها بقصد إيذائه عليه السلام، فيظهرون أنهم يريدون المراعاة، ويبطنون أنهم يريدون الرعونة، فنهى الله المسلمين عن قول هذه الكلمة سدًّا لذريعة الاتفاق الواقع في المعنى بين ما قصده المسلمون وقصده اليهود، والمسلمون قصدوا من (راعنا)؛ أي: انظرنا واسمع لنا، فنهى الله المؤمنين عن هذا القول سدًّا للذريعة لئلا يتطرق


(١) تفسير السعدي (ص ٢٦٨ - ٢٦٩).
(٢) انظر: التفسير الكبير (١٣/ ١١٥)، وما ذكره شيخ الإسلام في الصارم المسلول (٣/ ٩٢٤).