للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه اليهود إلى المحظور (١).

يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: "والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه (راعنا) أن يقال: إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه -صلى الله عليه وسلم- نظير الذي ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا الحبلة" (٢)، "ولا تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي" (٣)، وما أشبه ذلك من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب، فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما واختيار الأخرى عليها في المخاطبات" (٤).

ويقول الإمام ابن القيم في الآية: "نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير؛ لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود


(١) انظر: تفسير البغوي (١/ ١٠٢)، التسهيل لعلوم التنزيل (١/ ٥٦)، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ١٨٩)، وقال الرازي في تفسيره: "كان المسلمون يقولون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تلا عليهم شيئًا من العلم: راعنا يا رسول الله، واليهود كانت لهم كلمة عبرانية يتسابُّون بها تشبه هذه الكلمة، وهي (راعينا)؛ ومعناها: اسمع لا سمعت، فلما سمعوا المؤمنين يقولون راعنا افترضوه، وخاطبوه به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يعنون تلك المسبة، فنهي المؤمنون عنها، وأمروا بلفظة أخرى وهي قوله: (انظُرْنَا)، ويدل على صحة هذه التأويل قوله تعالى في سورة النساء: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: ٤٦] ".
وذكر الإمام السمعاني قولًا آخر في حكمة النهي عن كلمة (راعنا) فقال: "والقول الثاني: أن قولهم راعنا كان فيه جفوة وخشونة؛ لأن حقيقته: (فرغ سمعك لكلامنا حتى تفهم)، وفي هذا نوع جفاء، فنزل قوله: {تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: ١٠٤]، حتى يقولوا ما يقولون على طريق التبجيل والمسألة، ويختاروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أحكمها". [انظر: تفسير الرازي الكبير (٣/ ٢٠٣)، وتفسير السمعاني (١/ ١٢٠)].
(٢) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في المعجم الكبير (٢٢/ ١٣) برقم (١٤)، والإمام أحمد في مسنده (٢/ ٥٠٩)، برقم (١٠٦٢٠)، مع بعض الاختلاف، وأوله ثابت عند البخاري (٥/ ٢٢٨٦) برقم (٥٨٢٨)، ومسلم في صحيحه (٤/ ١٧٦٣)، برقم (٢٢٤٧)، من رواية أبي هريرة أيضًا.
(٣) سيأتي تخريجه انظر: (ص ٩٧٨).
(٤) تفسير الطبري (١/ ٤٧١).