للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يغير في الحقيقة شيئًا، بل هي باقية والحكم يدور معها وجودًا وعدمًا لا مع الاسم واللفظ.

يقول الإمام ابن القيم معلِّقًا على حيلة اليهود في الشحوم: "وجملوها: يعني أذابوها وخلطوها، وإنما فعلوا ذلك؛ ليزول عنها اسم الشحم ويحدث لها اسم آخر وهو الوَدَك (١)، وذلك لا يفيد الحِلَّ؛ فإن التحريم تابع للحقيقة، وهي لم تتبدل بتبدل الاسم" (٢).

فاليهود لعنوا لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله، ولم يعصمهم التوسل إلى ذلك بصورة البيع، كما أنه لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها؛ فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم، وتنتقل إلى اسم الودك، فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك (٣).

ومما يدل على صحة القاعدة مما هو داخل في حكم الحيل أيضًا: ما جاء عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها" (٤)، وفي رواية عند الدارمي من طريق عائشة -رضي الله عنها-: "يسمونها بغير اسمها فيستحلونها" (٥)؛ يعني: الخمر.


(١) الوَدَك: بفتحتين، هو دسم اللحم والشحم ودهنه الذي يستخرج منه، أو يستحلب منه. [انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ١٦٨)، والمصباح المنير (٢/ ٦٥٣)، والمعجم الوسيط (٢/ ١٠٢٢)].
(٢) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (٩/ ٢٤٤)، وانظر: فيض القدير (٥/ ٣٩١).
(٣) انظر: إعلام الموقعين (٣/ ١١٢).
(٤) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٢٣٧)، برقم (١٨٠٩٨)، وابن حبان في صحيحه (١٥/ ١٦٠)، برقم (٦٧٥٨)، وأبو داود في سننه (٣/ ٣٢٩)، برقم (٣٦٨٨)، من طريق أبي مالك الأشعري، والحديث ذكره الشيخ الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ٧٠١)، برقم (٤١٤)، وقال عقبه: " قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الستة، وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر". [المرجع نفسه].
(٥) سنن الدارمي (٢/ ١٥٥)، برقم (٢١٠٠)، وحسَّنه الألباني، وله شاهد. [انظر: =