وَالشَّكَّ وَالنِّفَاقَ: أَمْرٌ بَاطِنٌ. وَالْعَمَلُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَمُصَدِّقٌ لَهُ. فَالْأَعْمَالُ ثَمَرَاتُ الْعُلُومِ وَالْعَقَائِدِ. فَالْيَقِينُ: يُثْمِرُ الْجِهَادَ، وَمَقَامَاتِ الْإِحْسَانِ. فَعَلَى حَسَبِ قُوَّتِهِ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ وَنَتِيجَتُهُ. وَالرَّيْبُ وَالشَّكُّ: يُثْمِرُ الْأَعْمَالَ الْمُنَاسِبَةَ لَهُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ " وَلَا يَقْطَعُهُ أَمَلٌ " أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ الذَّوْقِ: أَنْ لَا يَقْطَعَ صَاحِبَهُ عَنْ طَلَبِهِ أَمْرُ دُنْيَا، وَطَمَعٌ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهَا. فَإِنَّ الْأَمَلَ وَالطَّمَعَ يَقْطَعَانِ طَرِيقَ الْقَلْبِ فِي سَيْرِهِ إِلَى مَطْلُوبِهِ.
وَلَمْ يَقُلِ الشَّيْخُ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَمَلٌ، بَلْ قَالَ: لَا يَقْطَعُهُ أَمَلٌ. فَإِنَّ الْأَمَلَ إِذَا قَامَ بِهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ: لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ عَوَّقَ سَيْرَهُ بَعْضَ التَّعْوِيقِ. وَإِنَّمَا الْبَلَاءُ فِي الْأَمَلِ الْقَاطِعِ لِلْقَلْبِ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ.
وَعِنْدَ الطَّائِفَةِ: أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ، فَإِرَادَتُهُ: أَمَلٌ قَاطِعٌ، كَائِنًا مَا كَانَ. فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ أَمَلُهُ، وَمُنْتَهَى طَلَبِهِ: فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَوْقِ الْإِيمَانِ. فَإِنَّهُ مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، وَالْأُنْسِ بِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَلٌ فِي غَيْرِهِ. وَإِنَّ تَعَلَّقَ أَمَلُهُ بِسِوَاهُ، فَهُوَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مَرْضَاتِهِ وَمَحَابِّهِ. فَهُوَ يُؤَمِّلُهُ لِأَجْلِهِ، وَلَا يُؤَمِّلُهُ مَعَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الَّذِي يَقْطَعُ بِهِ الْعَبْدُ هَذَا الْأَمَلَ؟
قُلْتُ: قُوَّةُ رَغْبَتِهِ فِي الْمَطْلَبِ الْأَعْلَى، الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْلَى مِنْهُ. وَمَعْرِفَتُهُ بِخِسَّةِ مَا يُؤَمَّلُ دُونَهُ، وَسُرْعَةِ ذَهَابِهِ. فَيُوشِكُ انْقِطَاعُهُ. وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَخَيَالِ طَيْفٍ، أَوْ سَحَابَةِ صَيْفٍ. فَهُوَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَنَجْمٌ قَدْ تَدَلَّى لِلْغُرُوبِ. فَهُوَ عَنْ قَرِيبٍ آفِلٌ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ إِنَّمَا أَنَا كَرَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» وَقَالَ «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ: بِمَ تَرْجِعُ؟» فَشَبَّهَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ الْآخِرَةِ بِمَا يَعْلَقُ عَلَى الْإِصْبَعِ مِنَ الْبَلَلِ حِينَ تُغْمَسُ فِي الْبَحْرِ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا أُوتِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute