وَقَوْلِهِ {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: ٨٦] وَقَوْلِهِ {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٢١] وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
فَيُغَيِّبُهُ عَنْ شُهُودِ ذَلِكَ. وَيُحِيلُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَطَلَبِهِ. فَيُحِيلُهُ عَلَى نَفْسِهِ الَّتِي لَهَا الْفَقْرُ بِالذَّاتِ، وَيَحْجُبُهُ عَنِ الْحِوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ الْوَفِيِّ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ كُلُّهُ بِالذَّاتِ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَكْرِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَلَوْ بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الطَّاعَةِ مَا بَلَغَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ هَذَا الْحَذَرُ. وَقَدْ خَافَهُ خِيَارُ خَلْقِهِ، وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ شُعَيْبٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: ٨٨]- إِلَى قَوْلِهِ - {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: ٨٩] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، أَدَبًا مَعَ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةً بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وُوُقُوفًا مَعَ حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهِ - وَقَدْ خَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ - فَقَالَ {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: ٨٠] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ: هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ لَا تُؤَمِّنِّي مَكْرَكَ؟
فَكَانَ بَعْضُ السَّلَفُ يَدْعُو بِذَلِكَ. وَمُرَادُهُ: لَا تَخْذُلْنِي، حَتَّى آمَنَ مَكْرَكَ وَلَا أَخَافَهُ، وَكَرِهَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ مُطَرِّفٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وَلَا تُؤَمِّنِّي مَكْرَكَ. وَلَكِنْ أَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ آمَنَ مَكْرَكَ، حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تُؤَمِّنُنِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute