للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَادَى - وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ - بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي: " «لَا يُجَاوِزُنِي الْيَوْمَ ظُلْمُ ظَالِمٍ» ".

وَكَأَنَّهُ يُسْمِعُ نِدَاءَهُ لِآدَمَ " «يَا آدَمُ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ» " بِإِذْنِهِ الْآنَ، وَكَذَلِكَ نِدَاؤُهُ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٦٥] وَمَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟

وَبِالْجُمْلَةِ: فَيُشَاهِدُ بِقَلْبِهِ رَبًّا عَرَّفَتْ بِهِ الرُّسُلُ، كَمَا عَرَّفَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَدِينًا دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ. وَحَقَائِقَ أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ. فَقَامَ شَاهِدُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ كَمَا قَامَ شَاهِدُ مَا أَخْبَرَ بِهِ أَهْلُ التَّوَاتُرِ - وَإِنْ لَمْ يَرَهُ - مِنَ الْبِلَادِ وَالْوَقَائِعِ. فَهَذَا إِيمَانُهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعِيَانِ، وَإِيمَانُ غَيْرِهِ فَمَحْضُ تَقْلِيدِ الْعُمْيَانِ.

قَوْلُهُ " وَيَطْوِي خِسَّةَ التَّكَالِيفِ " لَيْتَ الشَّيْخَ عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِغَيْرِهَا. فَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَقْبَحُ مِنْ شَوْكَةٍ فِي الْعَيْنِ، وَشَجًى فِي الْحَلْقِ. وَحَاشَا التَّكَالِيفَ أَنْ تُوصَفَ بِخِسَّةٍ، أَوْ تَلْحَقَهَا خِسَّةٌ. وَإِنَّمَا هِيَ قُرَّةُ عَيْنٍ، وَسُرُورُ قَلْبٍ، وَحَيَاةُ رُوحٍ. صَدَرَ التَّكْلِيفُ بِهَا عَنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فَهِيَ أَشْرَفُ مَا وَصَلَ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَثَوَابُهُ عَلَيْهَا أَشْرَفُ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>