فَلَا يُصْلِحُونَهَا، وَهَؤُلَاءِ أَنْسَاهُمْ حُظُوظَهُمْ بِحُقُوقِهِ، وَذِكْرَ مَا سِوَاهُ بِذِكْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخَذَهُمْ إِلَيْهِ وَشَغَلَهُمْ بِهِ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: وَأَلَاحَ لَهُمْ لَائِحًا أَذْهَلَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَا هُمْ فِيهِ.
أَلَاحَ؛ أَيْ: أَظْهَرَ، وَالْمَعْنَى: أَظْهَرَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ لَائِحًا مَا لَمْ تَتَّسِعْ قُلُوبُهُمْ بَعْدَهُ لِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ، وَهَذَا رَقِيقَةٌ مِنْ حَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ وَأَرَاهُمْ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى سِوَاهُ أَلْبَتَّةَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: «فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ» .
وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا اللَّائِحَ الَّذِي أَلَاحَهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ أَذْهَلَهُمْ عَنِ الشُّعُورِ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: " هَيَّمَهُمْ عَنْ شُهُودِ مَا هُمْ لَهُ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ هَذَا اللَّائِحَ هَيَّمَهُمْ عَنْ شُهُودِ مَا خُلِقُوا لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِمُ اتِّسَاعٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لِقُوَّةِ الْوَارِدِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الْمَحَلِّ، حَيْثُ لَمْ يَتَّسِعِ الْقَلْبُ مَعَهُ لِذِكْرِ مَا خُلِقَ لَهُ، وَالْكَمَالُ: أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ الْأَمْرَانِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: أَنَّ هَذَا اللَّائِحَ غَيَّبَهُمْ عَنْ شُهُودِ أَحْوَالِهِمُ الَّتِي هُمْ لَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَغَابُوا بِمَشْهُودِهِمْ عَنْ شُهُودِهِمْ، وَبِمَعْرُوفِهِمْ عَنْ مَعْرِفَتِهِمْ، وَبِمَعْبُودِهِمْ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، فَإِنَّ الْهَائِمَ لَا يَشْعُرُ بِمَا هُوَ فِيهِ وَلَا بِحَالِ نَفْسِهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْهُيَامُ كَالْجُنُونِ مِنَ الْعِشْقِ.
قَوْلُهُ: " وَضَنَّ بِحَالِهِمْ عَنْ عِلْمِهِمْ " أَيْ: بَخِلَ بِهِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ عِلْمُهُمْ أَنْ يُدْرِكَ حَالَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ،
قَوْلُهُ: " فَاسْتَسَرُّوا عَنْهُمْ " أَيِ: اخْتَفُوا حَتَّى عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَمْ تَعْلَمْ نُفُوسُهُمْ كَيْفَ هُمْ؟ وَلَا تُبَادِرُ بِإِنْكَارِ هَذَا، تَكُنْ مِمَّنْ لَا يَصِلُ إِلَى الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ: هُوَ حَامِضٌ.
قَوْلُهُ: مَعَ شَوَاهِدَ تَشْهَدُ لَهُمْ بِصِحَّةِ مَقَامِهِمْ.
يُرِيدُ: أَنَّهُمْ لَمْ يُعَطِّلُوا أَحْكَامَ الْعُبُودِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِفَسَادِ أَحْوَالِهِمْ، بَلْ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ، تَشْهَدُ لَهُمْ بِصِحَّةِ مَقَامَاتِهِمْ، وَتِلْكَ الشَّوَاهِدُ: هِيَ الْقِيَامُ بِالْأَمْرِ وَآدَابِ الشَّرِيعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
قَوْلُهُ: عَنْ قَصْدٍ سَابِقٍ، يُهَيِّجُهُ غَيْبٌ