للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعَيْنِ، مَسْمُوعٌ بِالْأُذُنِ، بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ الْمُدْرِكُ وَلَا يَرْتَابُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَقْبَلُ عَذْلًا.

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ شَوَاهِدُ وَأَمْثِلَةٌ عِلْمِيَّةٌ تَابِعَةٌ لِلْمُعْتَقِدِ، فَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكَ بِعَيْنِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، إِنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ دَالٌّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ شَاهِدَ نُورِ جَلَالِ الذَّاتِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ نُورِ الذَّاتِ الَّذِي لَا تَقُومُ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهَا لَتَدَكْدَكَتْ، وَلَأَصَابَهَا مَا أَصَابَ الْجَبَلَ، وَكَذَلِكَ شَاهِدُ نُورِ الْعَظَمَةِ فِي الْقَلْبِ، إِنَّمَا هُوَ نُورُ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، لَا نُورُ نَفْسِ الْمُعَظَّمِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

وَلَيْسَ مَعَ الْقَوْمِ إِلَّا الشَّوَاهِدُ، وَالْأَمْثِلَةُ الْعِلْمِيَّةُ، وَالرَّقَائِقُ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ قُرْبِ الْقَلْبِ مِنَ الرَّبِّ، وَأُنْسِهِ بِهِ، وَاسْتِغْرَاقِهِ فِي مَحَبَّتِهِ وَذِكْرِهِ، وَاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ مَعْرِفَتِهِ عَلَيْهِ، وَالرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ، مُنَزَّهٌ مُقَدَّسٌ عَنِ اطِّلَاعِ الْبَشَرِ عَلَى ذَاتِهِ، أَوْ أَنْوَارِ ذَاتِهِ، أَوْ صِفَاتِهِ، أَوْ أَنْوَارِ صِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ الشَّوَاهِدُ الَّتِي تَقُومُ بِقَلْبِ الْعَبْدِ، كَمَا يَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدٌ مِنَ الْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهِمَا.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمَّا قَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ! إِنِّي أَجِدُ وَاللَّهِ رِيحَهَا دُونَ أُحُدٍ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ» ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَهُوَ رَوْضَةٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، لِمَا يَقُومُ بِقُلُوبِهِمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>