{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل: ٨٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] وَشَبَّهَهُمْ فِي مَوْتِ قُلُوبِهِمْ بِأَهْلِ الْقُبُورِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ مَاتَتْ أَرْوَاحُهُمْ، وَصَارَتْ أَجْسَامُهُمْ قُبُورًا لَهَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ أَصْحَابُ الْقُبُورِ، كَذَلِكَ لَا يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ، وَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ هِيَ الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ وَمَلْزُومُهُمَا، فَهَذِهِ الْقُلُوبُ لَمَّا لَمْ تُحِسَّ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَهُ: كَانَتْ مَيْتَةً حَقِيقِةً، وَلَيْسَ هَذَا تَشْبِيهًا لِمَوْتِهَا بِمَوْتِ الْبَدَنِ، بَلْ ذَلِكَ مَوْتُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ كَلَامِ لُقْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ، وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ، كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِوَابِلِ الْقَطْرِ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهٌ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَنَارُ سُبُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الْأَنِيسُ فِي الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَالزَّيْنُ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا، فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً، وَأَئِمَّةً تُقْتَصُّ آثَارُهُمْ، وَيُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ، وَيُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ، تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خُلَّتِهِمْ، وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ، يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَحِيتَانُ الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ، وَسِبَاعُ الْبَرِّ وَأَنْعَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، وَمَصَابِيحُ الْأَبْصَارِ مِنَ الظُّلَمِ، يَبْلُغُ الْعَبْدُ بِالْعِلْمِ مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، التَّفَكُّرُ فِيهِ يَعْدِلُ الصِّيَامَ، وَمُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ الْقِيَامَ، بِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَبِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ إِمَامُ الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لَهُ يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، وَيُحْرَمُهُ الْأَشْقِيَاءَ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْوَقْفُ أَصَحُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute