للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السُّكْرِ وَالْمُسْكِرِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَعَامَّةُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي السُّكْرِ الْمَذْمُومِ الَّذِي يَمْقُتُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] وَعَبَّرَ بِهِ سُبْحَانَهُ عَنِ الْهَوْلِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلنَّاسِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: ٢] وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَسْكَرَهُ حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي سُكْرِ الْهَوَى الْمَذْمُومِ، فَأَيْنَ أَطْلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْ رَسُولُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ أَوْ أَئِمَّةُ الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّرِيفِ الَّذِي هُوَ مَنْ أَشْرَفِ أَحْوَالِ مُحِبِّيهِ وَعَابِدِيهِ اسْمَ السُّكْرِ الْمُسْتَعْمَلَ فِي سُكْرِ الْخَمْرِ، وَسُكْرِ الْفَوَاحِشِ؟ كَمَا قَالَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: ٧٢] فَوَصَفَ بِالسُّكْرِ أَرْبَابَ الْفَوَاحِشِ، وَأَرْبَابَ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ، فَلَا يَلِيقُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَشْرَفِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ، وَلَا سِيَّمَا فِي قِسْمِ الْحَقَائِقِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى كَلِيمِ الرَّحْمَنِ اسْمُ السُّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَالِاصْطِلَاحَاتُ لَا مُشَاحَّةَ فِيهَا إِذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ مَفْسَدَةً.

وَأَيْضًا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْحَالَ يَحْصُلُ فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ، وَلَا يُسَمَّى سُكْرًا، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْمَعْنَى الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ تَسْمِيَتُهُ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ اسْمُ الشَّرَابِ أَوْ تَسْمِيَةُ الْمَعَارِفِ بِالْخَمْرِ، وَالْوَارِدَاتِ بِالْكُؤُوسِ، وَاللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالسَّاقِي، فَهَذِهِ الِاسْتِعَارَاتُ وَالتَّسْمِيَةُ هِيَ الَّتِي فَتَحَتْ هَذَا الْبَابَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْمُحِبِّينَ خَاصَّةً " فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَقِيقَةِ السُّكْرِ وَسَبَبِهِ وَتَوَلُّدِهِ، وَهَلْ هُوَ مَقْدُورٌ أَوْ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَبَيَانُ انْقِسَامِهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَأَسْبَابِهِ وَمَحَلِّهِ، لِتَكُونَ الْفَائِدَةُ بِذَلِكَ أَتَمَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>