للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالدُّنُوُّ وَالتَّدَلِّي فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي فِي الْآيَةِ، وَإِنِ اتَّفَقَا فِي اللَّفْظِ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: ١٣ - ١٤] وَالْمَرْئِيُّ عِنْدَ السِّدْرَةِ: هُوَ جِبْرِيلُ قَطْعًا، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ «ذَاكَ جِبْرِيلُ» .

السَّادِسُ: أَنَّ مُفَسِّرَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ رَآهُ} [النجم: ١٣] ، وَفِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٨] ، وَفِي قَوْلِهِ: فَاسْتَوَى، وَفِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم: ٧] وَاحِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.

السَّابِعُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الرَّسُولَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ: الْمَلَكِيُّ، وَالْبَشَرِيُّ، وَنَزَّهَ الْبَشَرِيَّ عَنِ الضَّلَالِ وَالْغِوَايَةِ، وَنَزَّهَ الْمَلَكِيَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانًا قَبِيحًا ضَعِيفًا، بَلْ هُوَ قَوِيٌّ كَرِيمٌ حَسَنُ الْخُلُقِ، وَهَذَا نَظِيرُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ سَوَاءً.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ أَخْبَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَهَاهُنَا أَخْبَرَ أَنَّهُ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى وَهُوَ وَاحِدٌ، وُصِفَ بِصِفَتَيْنِ، فَهُوَ مُبِينٌ وَهُوَ أَعْلَى، فَإِنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا عَلَا بَانَ وَظَهَرَ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُ قَالَ: {ذُو مِرَّةٍ} [النجم: ٦] وَالْمِرَّةُ الْخُلُقُ الْحَسَنُ الْمُحْكَمُ، فَأَخْبَرَ عَنْ حُسْنِ خُلُقِ الَّذِي عَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَاقَ الْخَبَرَ كُلَّهُ عَنْهُ نَسَقًا وَاحِدًا.

الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى لَكَانَ الْقُرْآنُ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِالْأُفُقِ، وَمَرَّةً عِنْدَ السِّدْرَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ سَأَلَهُ: «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟» فَكَيْفَ يُخْبِرُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ رَآهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَنَّى أَرَاهُ؟» " وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ أَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ النَّفْيِ يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ النَّفْيَ، وَطَرَفًا مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى السَّائِلِ، كَمَا إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟ فَيَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>