للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَسَنِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، وَقِيلَ: عَلَيَّ فِيهِ لِلْوُجُوبِ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُهُ وَتَعْرِيفُهُ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلَانِ نَظِيرُ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ النَّحْلِ، وَهِيَ {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: ٩] وَالصَّحِيحُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ: أَنَّ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ وَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ، قَالَ طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ:

مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ ... وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُشَقْلَبُ

أَيْ مَمَرُّنَا عَلَيْهِمْ، وَإِلَيْهِمْ وُصُولُنَا، وَقَالَ الْآخَرُ:

فَهُنَّ الْمَنَايَا أَيُّ وَادٍ سَلَكْتُهُ ... عَلَيْهَا طَرِيقِي أَوْ عَلَيَّ طَرِيقُهَا

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهِ أَدَاةَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِلِانْتِهَاءِ، لَا أَدَاةَ عَلَى الَّتِي هِيَ لِلْوُجُوبِ، ألَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْوُصُولَ قَالَ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٥] وَقَالَ {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [يونس: ٧٠] وَقَالَ {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ} [الأنعام: ١٠٨] وَقَالَ لَمَّا أَرَادَ الْوُجُوبَ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٦] وَقَالَ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٧] وَقَالَ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ.

قِيلَ: فِي أَدَاةِ عَلَى سِرٌّ لَطِيفٌ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِكَوْنِ السَّالِكِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ عَلَى هُدًى، وَهُوَ حَقٌّ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: ٥] وَقَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: ٧٩] وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْحَقُّ، وَصِرَاطُهُ حقٌّ، وَدِينُهُ حَقٌ، فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، فَكَانَ فِي أَدَاةِ " عَلَى " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي أَدَاةِ إِلَى فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ سِرٌّ بَدِيعٌ.

فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ عَلَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُسْتَعْلِيًا عَلَى الْحَقِّ، وَعَلَى الْهُدَى؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>