أَيْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنْ يُجَازِيَكُمْ، وَقَدْ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ؟ وَمَا الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِهِ حَتَّى جَعَلْتُمْ مَعَهُ شُرَكَاءَ؟ أَظْنَنْتُمْ: أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الشُّرَكَاءِ وَالْأَعْوَانِ؟ أَمْ ظَنَنْتُمْ: أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِ عِبَادِهِ، حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى شُرَكَاءَ تُعَرِّفُهُ بِهَا كَالْمُلُوكِ؟ أَمْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بِتَدْبِيرِهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، أَمْ هُوَ قَاسٍ؛ فَيَحْتَاجَ إِلَى شُفَعَاءَ يَسْتَعْطِفُونَهُ عَلَى عِبَادِهِ؟ أَمْ ذَلِيلٌ؛ فَيَحْتَاجَ إِلَى وَلِيٍّ يَتَكَثَّرُ بِهِ مِنَ الْقِلَّةِ، وَيَتَعَزَّزُ بِهِ مِنَ الذِّلَّةِ؟ أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَلَدِ؛ فَيَتَّخِذَ صَاحِبَةً يَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهَا وَمِنْهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ التَّعْطِيلَ مَبْدَأُ الشِّرْكِ وَأَسَاسُهُ، فَلَا تَجِدُ مُعَطِّلًا إِلَّا وَشِرْكُهُ عَلَى حَسَبِ تَعْطِيلِهِ، فَمُسْتَقِلٌ وَمُسْتَكْثِرٌ.
فَصْلٌ
وَالرُّسُلُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى خَاتَمِهِمْ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أُرْسِلُوا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَبَيَانِ الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَيْهِ، وَبَيَانِ حَالِ الْمَدْعُوِّينَ بَعْدَ وُصُولِهِمْ إِلَيْهِ، فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ الثَّلَاثُ ضَرُورِيَّةٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى لِسَانِ كُلِّ رَسُولٍ، فَعَرَّفُوا الرَّبَّ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ تَعْرِيفًا مُفَصَّلًا، حَتَّى كَأَنَّ الْعِبَادَ يُشَاهِدُونَهُ سُبْحَانَهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، يُكَلِّمُ مَلَائِكَتَهُ، وَيُدَبِّرُ أَمْرَ مَمْلَكَتِهِ، وَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ خَلْقِهِ، وَيَرَى أَفْعَالَهُمْ وَحَرَكَاتِهِمْ، وَيُشَاهِدُ بَوَاطِنَهُمْ، كَمَا يُشَاهِدُ ظَوَاهِرَهُمْ، يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيَرْضَى وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ وَيَسْخَطُ، وَيَضْحَكُ مِنْ قُنُوطِهِمْ وَقُرْبِ غَيْرِهِ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مُضْطَرِّهِمْ، وَيُغِيثُ مَلْهُوفَهُمْ، وَيُعِينُ مُحْتَاجَهُمْ، وَيُجْبِرُ كَسَيْرَهُمْ، وَيُغْنِي فَقِيرَهُمْ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيَمْنَعُ وَيُعْطِي، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُفْرِّجُ كَرْبًا، وَيَفُكُّ عَانِيًا، وَيَنْصُرُ مَظْلُومًا، وَيَقْصِمُ ظَالِمًا، وَيَرْحَمُ مِسْكِينًا، وَيُغِيثُ مَلْهُوفًا، وَيَسُوقُ الْأَقْدَارَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا، وَيُجْرِيهَا عَلَى نِظَامِهَا، وَيُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ تَقْدِيمَهُ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ تَأْخِيرَهُ فَأَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدِهِ، وَمَدَارُ تَدْبِيرِ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مَقْصُودُ الدَّعْوَةِ، وَزُبْدَةُ الرِّسَالَةِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَعْرِيفُهُمْ بِالطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَيْهِ، وَهُوَ صِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي نَصَبَهُ لِرُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَهُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ، وَالْإِيمَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute