للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ؟ أَمْ كَيْفَ تَأْلَهُ الْقُلُوبُ مَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُحَبُّ، وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ، وَلَا يَفْرَحُ وَلَا يَضْحَكُ؟

فَسُبْحَانَ مَنْ حَالَ بَيْنَ الْمُعَطِّلَةِ وَبَيْنَ مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَالسُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِهِ، وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ، وَانْتِظَارِ لَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَالتَّمَتُّعِ بِخِطَابِهِ فِي مَحَلِّ كَرَامَتِهِ وَدَارِ ثَوَابِهِ! فَلَوْ رَآهَا أَهْلًا لِذَلِكَ لَمَنَّ عَلَيْهَا بِهِ، وَأَكْرَمَهَا بِهِ، إِذْ ذَاكَ أَعْظَمُ كَرَامَةٍ يُكْرِمُ بِهَا عَبْدَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ كَرَامَتَهُ، وَيَضَعُ نِعْمَتَهُ {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ - وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٥٣ - ٣٢] وَلَيْسَ جُحُودُهُمْ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ، وَحَقَائِقَ أَسْمَائِهِ: فِي الْحَقِيقَةِ تَنْزِيهًا، وَإِنَّمَا هُوَ حِجَابٌ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ، فَظَنُّوهُ تَنْزِيهًا، كَمَا ضُرِبَ حِجَابُ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَالشَّهَوَاتِ الْمُرْدِيَةِ عَلَى قُلُوبِ أَصْحَابِهَا، وَزُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ، فَرَأَوْهَا حَسَنَةً.

عُدْنَا إِلَى شَرْحِ كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَسَامِيهَا بِالرِّسَالَةِ. . . إِلَى آخِرِهِ.

ذَكَرَ أَنَّ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ دَلَّ عَلَيْهَا الْوَحْيُ الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَالْحِسُّ الَّذِي شَاهَدَ بِهِ الْبَصِيرُ آثَارَ الصَّنْعَةِ؛ فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِفَاتِ صَانِعِهَا، وَالْعَقْلُ الَّذِي طَابَتْ حَيَاتُهُ بِزَرْعِ الْفِكْرِ، وَالْقَلْبُ الَّذِي حَيِيَ بِحُسْنِ النَّظَرِ بَيْنَ التَّعْظِيمِ وَالِاعْتِبَارِ.

فَأَمَّا الرِّسَالَةُ: فَإِنَّهَا جَاءَتْ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ إِثْبَاتًا مُفَصَّلًا عَلَى وَجْهٍ أَزَالَ الشُّبْهَةَ، وَكَشَفَ الْغِطَاءِ، وَحَصَلَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ، وَرُفِعَ الشَّكُّ وَالرَّيْبُ؛ فَثَلَجَتْ لَهُ الصُّدُورِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ الْقُلُوبُ، وَاسْتَقَرَّ بِهِ الْإِيمَانُ فِي نِصَابِهِ، فَفَصَّلَتِ الرِّسَالَةُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتَ وَالْأَفْعَالَ أَعْظَمَ مِنْ تَفْصِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَرَّرَتْ إِثْبَاتَهَا أَكْمَلَ تَقْرِيرٍ فِي أَبْلَغِ لَفْظٍ، وَأَبْعَدِهِ مِنَ الْإِجْمَالِ وَالِاحْتِمَالِ، وَأَمْنَعِهِ مِنْ قَبُولِ التَّأْوِيلِ، وَكَذَلِكَ كَانَ تَأْوِيلُ آيَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>