للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: " وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فَأَنْ لَا يُنَازِعَ شُهُودُكَ شُهُودَهُ، هَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِي كُنْتَ تَنْسُبُهُ إِلَى نَفْسِكَ قَبْلَ الْفَنَاءِ تَصِيرُ بَعْدُ تَنْسُبُهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، لَا إِلَيْكَ.

قَوْلُهُ " الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يُنَاسِمَ رَسْمُكَ سَبْقَهُ " الرَّسْمُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الشَّخْصُ وَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ، وَالرَّبُّ تَعَالَى هُوَ الْقَدِيمُ الْخَالِقُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِالْحَقِيقَةِ؛ شَهِدَ الْحَقَّ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا عَنْ خَلْقِهِ، فَلَمْ يُنَاسِمْ رَسْمُهُ سَبْقَ الْحَقِّ وَأَوَّلِيَّتَهُ، وَالْمُنَاسَمَةُ كَالْمُشَامَّةِ، يُقَالُ: نَاسَمَهُ، أَيْ شَامَّهُ، فَاسْتَعَارَ الشَّيْخُ اللَّفْظَةَ لِأَدْنَى الْمُقَارَبَةِ وَالْمُلَابَسَةِ، أَيْ لَا يُدَانِي رَسْمُكَ سَبْقَهُ، وَلَوْ بِأَدْنَى مُنَاسَمَةٍ، بَلْ تَشْهَدُ الْحَقَّ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.

وَهُمْ يُشِيرُونَ بِذَلِكَ إِلَى أَمْرٍ، وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ، فَأَمَّا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَهُوَ " «كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ» " فَهَذَا قَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ الثَّابِتُ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ» وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ «أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ» وَلَمْ يَقُلْ: فَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ " فَزِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَتْ مِنْهُ، بَلْ زَادَهَا بَعْضُ الْمُتَحَذْلِقِينَ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ خَلْقِهِ بِالْعِلْمِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْقُدْرَةِ، وَمَعَ أَوْلِيَائِهِ بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَةِ وَالنُّصْرَةِ، وَهُمْ مَعَهُ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَصَارَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>