الثَّالِثُ: مَا يُهْدِي إِخْوَانُهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَدَايَا الْأَعْمَالِ، مِنَ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَالْحَجِّ، وَالصِّيَامِ عَنْهُ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَالصَّلَاةِ، وَجَعْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُصُولِ الصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَمَا عَدَاهُمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِوُصُولِ الْحَجِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، وَأَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ، يَقُولُونَ: يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ جَمِيعِ الْقُرَبِ، بِدَنِيِّهَا وَمَالِيَّهَا، وَالْجَامِعُ لِلْأَمْرَيْنِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ "، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» .
فَإِنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ بِالتَّمْحِيصِ، مُحِّصَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ فِي الْمَوْقِفِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ، وَشِدَّةُ الْمَوْقِفِ، وَشَفَاعَةُ الشُّفَعَاءِ، وَعَفْوُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَإِنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِتَمْحِيصِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِ الْكِيرِ، رَحْمَةً فِي حَقِّهِ لِيَتَخَلَّصَ وَيَتَمَحَّصَ، وَيَتَطَهَّرَ فِي النَّارِ، فَتَكُونَ النَّارُ طُهْرَةً لَهُ وَتَمْحِيصًا لِخَبَثِهِ، وَيَكُونَ مُكْثُهُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ الْخَبَثِ وَقِلَّتِهِ، وَشِدَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَتَرَاكُمِهِ، فَإِذَا خَرَجَ خَبَثُهُ وَصُفِّيَ ذَهَبُهُ، وَصَارَ خَالِصًا طَيِّبًا، أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ.
قَالَ: الثَّالِثُ يَعْنِي مِنْ مَرَاتِبِ الْيَقَظَةِ: الِانْتِبَاهُ لِمَعْرِفَةِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنَ الْأَيَّامِ، وَالتَّنَصُّلُ مِنْ تَضْيِيعِهَا، وَالنَّظَرُ إِلَى الظَّنِّ بِهَا لِتَدَارُكِ فَائِتِهِا، وَتَعْمِيرِ بَاقِيهَا.
يَعْنِي أَنَّهُ يَعْرِفُ مَا مَعَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَيَتَدَارَكُ مَا فَاتَهُ فِي بَقِيَّةِ عُمْرِهِ الَّتِي لَا ثَمَنَ لَهَا، وَيَبْخَلُ بِسَاعَاتِهِ بَلْ بِأَنْفَاسِهِ عَنْ ذَهَابِهَا ضَيَاعًا فِي غَيْرِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْخُسْرَانِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ النَّاسِ، مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي قَدْرِهِ، قِلَّةً وَكَثْرَةً، فَكُلُّ نَفَسٍ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ مَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْرَةٌ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَعَادِهِ، وَوَقْفَةٌ لَهُ فِي طَرِيقِ سَيْرِهِ، أَوْ نَكْسَةٌ إِنِ اسْتَمَرَّ، أَوْ حِجَابٌ إِنِ انْقَطَعَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute