وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فِي بَابِ الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَالطَّائِفَتَانِ - بَلْ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْفِقْهِ - مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ أَشَدَّ التَّكَلُّفِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ: أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ.
فَلَا تَجِدُ هَذَا التَّكْلِيفَ الشَّدِيدَ، وَالتَّعْقِيدَ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَصْلًا.
وَإِنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَإِذَا تَأَمَّلَهُ الْعَارِفُ وَجَدَهُ كَلَحْمِ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لَا سَهْلَ فَيَرْتَقِي، وَلَا سَمِينَ فَيَنْتَقِلُ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْكَ الطَّرِيقَ، وَيُوَسِّعُ لَكَ الْعِبَارَةَ، وَيَأْتِي بِكُلِّ لَفْظٍ غَرِيبٍ وَمَعْنًى أَغْرَبَ مِنَ اللَّفْظِ، فَإِذَا وَصَلْتَ لَمْ تَجِدْ مَعَكَ حَاصِلًا طَائِلًا، وَلَكِنْ تَسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا تَرَى طَحْنًا، فَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي جَعَاجِعِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَكْوَانِ وَالْأَلْوَانِ، وَالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَالْأَحْوَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالْوُجُودِ وَالْمَاهِيَّةِ وَالِانْحِيَازِ، وَالْجِهَاتِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ، وَالْغَيْرَيْنِ وَالْخِلَافَيْنِ، وَالضِّدَّيْنِ وَالنَّقِيضَيْنِ، وَالتَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ، وَالْعَرَضُ هَلْ يَبْقَى زَمَانَيْنِ؟ وَمَا هُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ؟ وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَعْرِفِ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْوُجُودَ: هَلْ هُوَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ، أَوْ زَائِدٌ عَلَيْهَا؟ وَيَعْتَرِفُ: أَنَّهُ شَاكٌّ فِي وُجُودِ الرَّبِّ: هَلْ هُوَ وُجُودٌ مَحْضٌ، أَوْ وُجُودٌ مُقَارِنٌ لِلْمَاهِيَّةِ؟ وَيَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي الْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَيَقُولُ أَفْضَلُهُمْ - عِنْدَ نَفْسِهِ - عِنْدَ الْمَوْتِ: أَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَرَفْتُ إِلَّا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّ الْمُمْكِنَ يَفْتَقِرُ إِلَى وَاجِبٍ، ثُمَّ قَالَ: الِافْتِقَارُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، فَأَمُوتُ وَلَمْ أَعْرِفْ شَيْئًا، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ: أَرْبَابُ الْكَلَامِ.
وَآخَرُونَ أَعْظَمُ تَكَلُّفًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَهُمْ: أَرْبَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute