للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّسُلُ، فَتَتَّفِقُ شَهَادَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ - لِكَمَالِ عَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَإِحْسَانِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لِلْعُذْرِ، وَإِقَامَتِهِ لِلْحُجَّةِ - لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَمَعَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [آل عمران: ١٨٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: ٤] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: ٢٥] .

حَتَّى إِنَّ مِنْ أَخْفَى آيَاتِ الرُّسُلِ آيَاتُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى قَالَ لَهُ قَوْمُهُ {يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: ٥٣] وَمَعَ هَذَا فَبَيِّنَتُهُ مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: ٥٤ - ٥٦] ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ: أَنَّ رَجُلًا وَاحِدًا يُخَاطِبُ أُمَّةً عَظِيمَةً بِهَذَا الْخِطَابِ، غَيْرَ جَزِعٍ وَلَا فَزِعٍ، وَلَا خَوَّارٍ، بَلْ وَاثِقٌ مِمَّا قَالَهُ جَازِمٌ بِهِ، قَدْ أَشْهَدَ اللَّهَ أَوَّلًا عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ دِينِهِمْ، وَمِمَّا هُمْ عَلَيْهِ إِشْهَادَ وَاثِقٍ بِهِ، مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ، مُعْلِمٍ لِقَوْمِهِ: أَنَّهُ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّطِهِمْ عَلَيْهِ.

ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ - إِشْهَادَ مُجَاهِرٍ لَهُمْ بِالْمُخَالَفَةِ -: أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِمْ وَآلِهَتِهِمْ، الَّتِي يُوَالُونَ عَلَيْهَا وَيُعَادُونَ، وَيَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي نُصْرَتِهَا.

ثُمَّ أَكَّدَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِالِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ، وَاحْتِقَارِهِمْ وَازْدِرَائِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَوْ يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ عَلَى كَيْدِهِ، وَشِفَاءِ غَيْظِهِمْ مِنْهُ، ثُمَّ يُعَالِجُونَهُ وَلَا يُمْهِلُونَهُ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>