الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِاللَّهِ عَلَى أَفْعَالِهِ، وَمَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَفْعَلُهُ.
وَإِذَا تَدَبَّرْتَ الْقُرْآنَ رَأَيْتَهُ يُنَادِي عَلَى ذَلِكَ، فَيُبْدِيهِ وَيُعِيدُهُ لِمَنْ لَهُ فَهْمٌ وَقَلْبٌ وَاعٍ عَنِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٤] أَفَلَا تَرَاهُ كَيْفَ يُخْبِرُ سُبْحَانَهُ: أَنَّ كَمَالَهُ وَحِكْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ تَأْبَى أَنْ يُقِرَّ مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ؟ بَلْ لَابُدَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عِبْرَةً لِعِبَادِهِ، كَمَا جَرَتْ بِذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي الْمُتَقَوِّلِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشورى: ٢٤] هَاهُنَا انْتَهَى جَوَابُ الشَّرْطِ، ثُمَّ أَخْبَرَ خَبَرًا جَازِمًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ: أَنَّهُ {يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} [الشورى: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١] فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِرْسَالَ وَالْكَلَامَ لَمْ يُقَدِّرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَلَا عَرَفَهُ كَمَا يَنْبَغِي، وَلَا عَظَّمَهُ كَمَا يَسْتَحِقُّ، فَكَيْفَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَنْصُرُ الْكَاذِبَ الْمُفْتَرِيَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ؟ وَيُظْهِرُ عَلَى يَدَيْهِ الْآيَاتِ وَالْأَدِلَّةَ؟ وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ جِدًّا، يُسْتَدَلُّ بِكَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَأَوْصَافِهِ وَجَلَالِهِ عَلَى صِدْقِ رُسُلِهِ، وَعَلَى وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَيَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا يُسْتَدَلُّ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٢ - ٢٣] ، وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ.
وَيَسْتَدِلُّ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى بُطْلَانِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ الْبَاطِلَةِ، وَأَنَّ كَمَالَهُ الْمُقَدَّسَ يَمْنَعُ مِنْ شَرْعِهَا، كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٢٨] ، وَقَوْلِهِ عَقِيبَ مَا نَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ بِلَا عَلَمٍ {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨] فَأَعْلَمَكَ أَنَّ مَا كَانَ سَيِّئُهُ فِي نَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute