للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُولَى، وَالتَّقْدِيرُ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَقَوْلُهُ {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] تَوْطِئَةٌ لِلثَّانِيَةِ وَتَمْهِيدٌ، وَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْبَدَلِ الَّذِي الثَّانِي فِيهِ نَفْسُ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْقِيَامُ بِحَقِّهَا، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ بَابِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ، فَلِمَ عَدَلَ إِلَى لَفْظِ الظَّاهِرِ؟

قِيلَ: هَذَا يُرَجِّحُ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهَا أَفْصَحُ وَأَحْسَنُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ إِقَامَةُ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: ١٩٦] وَقَالَ {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: ٦٩] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: ١٧٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: افْتَخَرَ الْمُشْرِكُونَ بِآبَائِهِمْ، فَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ: لَا دِينَ إِلَّا دِينُ آبَائِنَا، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] يَعْنِي الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، لَيْسَ لِلَّهِ دِينٌ سِوَاهُ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] .

وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] عَلَى أَنَّهُ دِينُ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ قَطُّ وَلَا يَكُونُ لَهُ دِينٌ سِوَاهُ، قَالَ أَوَّلُ الرُّسُلِ نُوحٌ {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٧٢] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٢٨ - ١٣٢] وَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ} [البقرة: ١٣٣]- إِلَى قَوْلِهِ - {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٣] وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: ٨٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>