أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: حَمْزَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.
قُلْتُ: وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ، وَلَا يُنَاقِضُ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَرَسُولَهُ وَأَتِّبَاعَ رَسُولِهِ، وَضِدُّ ذَلِكَ: مَعْبُودُ الْكُفَّارِ وَهَادِيهِمْ، وَالْكَافِرُ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ وَالْمَعْبُودُ، فَيَكُونُ بَعْضُ السَّلَفِ ذَكَرَ أَعْلَى الْأَنْوَاعِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ الْهَادِيَ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ الْمُسْتَجِيبَ الْقَابِلَ، وَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا آيَةُ هُودٍ: فَصَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَحَقُّ مَنْ كَانَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا صِدْقٌ وَرُشْدٌ وَهُدًى وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَصَالِحُ وَحِكَمٌ، وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ وَخَيْرٌ، فَالشَّرُّ لَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ مَنْ هُوَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَوْ أَقْوَالِهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ وَفِي أَقْوَالِهِ.
وَفِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، أَوْ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَعْنَى أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْبَرُ وَأَعْظَمُ قَدْرًا، فَإِنَّ مَنْ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وَأَوْصَافُهُ كُلُّهَا كَمَالٌ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا كَمَالٌ، وَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا صِدْقٌ وَعَدْلٌ يَسْتَحِيلُ دُخُولُ الشَّرِّ فِي أَسْمَائِهِ أَوْ أَوْصَافِهِ، أَوْ أَفْعَالِهِ أَوْ أَقْوَالِهِ، فَطَابِقْ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: ٥٦] وَتَأَمَّلْ كَيْفَ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَ قَوْلِهِ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: ٥٦] أَيْ هُوَ رَبِّي، فَلَا يُسَّلِمُنِي وَلَا يُضَيِّعُنِي، وَهُوَ رَبُّكُمْ فَلَا يُسَلِّطُكُمْ عَلَيَّ وَلَا يُمَكِّنُكُمْ مِنِّي، فَإِنَّ نَوَاصِيَكُمْ بِيَدِهِ، لَا تَفْعَلُونَ شَيْئًا بِدُونِ مَشِيئَتِهِ، فَإِنَّ نَاصِيَةَ كُلِّ دَابَّةٍ بِيَدِهِ، لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَحَرَّكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَتَحْرِيكِهِ لَهَا، وَنُفُوذِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِيهَا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِحِكْمَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute