وَهَذَا الشُّهُودُ شُهُودٌ نَاقِصٌ مَذْمُومٌ، إِنْ طَرَدَهُ صَاحِبُهُ، فَعَذَرَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَأَهْلَ مُخَالَفَتِهِ وَمُخَالَفَةِ رُسُلِهِ، وَطَلَبَ أَعْذَارَهُمْ كَانَ مُضَادًّا لِلَّهِ فِي أَمْرِهِ، عَاذِرًا مَنْ لَمْ يَعْذُرْهُ اللَّهُ، طَالِبًا عُذْرَ مَنْ لَامَهُ اللَّهُ وَأَمَرَ بِلَوْمِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مُوَافَقَةً لِلَّهِ، بَلْ مُوَافَقَتُهُ لَوْمُ هَذَا، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ، وَأَزَالَ عُذْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مَعْذُورًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ اللَّهِ لَمَا عَاقَبَهُ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ وَأَغْنَى وَأَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَ صَاحِبَ عُذْرٍ، فَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، إِزَالَةً لِأَعْذَارِ خَلْقِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَالِبَ عُذْرِهِمْ وَمُصَحِّحَهُ مُقِيمٌ لِحُجَّةٍ قَدْ أَبْطَلَهَا اللَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَمَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ خَلْقِهِ - كَالطِّفْلِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَالْمَعْتُوهِ، وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَالْأَصَمِّ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ - فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ بِلَا ذَنْبٍ الْبَتَّةَ، وَلَهُ فِيهِمْ حُكْمٌ آخَرُ فِي الْمَعَادِ، يَمْتَحِنُهُمْ بِأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ مِنْهُمْ، أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي مَقَالَاتِهِ، وَفِيهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ بَعْضُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute