للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِبَارَةِ وَتَلْطِيفِهَا، وَرُبَّمَا غَلَبَهُ الْحَالُ، فَصَرَّحَ بِالْوَجْدِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ خُصَمَاءِ اللَّهِ:

أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا، وَقَالَ لَهُ ... : إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ.

وَقَالَ خَصْمٌ آخَرُ:

وَضَعُوا اللَّحْمَ لِلْبُزَا ... ةِ عَلَى ذِرْوَتَيْ عَدَنْ

ثُمَّ لَامُوا الْبُزَاةَ أَنْ ... خَلَعُوا عَنْهُمُ الرَّسَنْ

لَوْ أَرَادُوا صِيَانَتِي ... سَتَرُوا وَجْهَكِ الْحَسَنْ

وَقَالَ خَصْمٌ آخَرُ:

أَصْبَحْتَ مُنْفَعِلًا لِمَا تَخْتَارُهُ ... مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ

وَقَالَ خَصْمٌ آخَرُ شَاكِيًا مُتَظَلِّمًا:

إِذَا كَانَ الْمُحِبُّ قَلِيلَ حَظٍّ ... فَمَا حَسَنَاتُهُ إِلَّا ذُنُوبُ

وَقَالَ خَصْمٌ آخَرُ مُعْتَذِرًا عَنْ إِبْلِيسَ: لَمَّا عَصَى مَنْ كَانَ إِبْلِيسَهُ؟ .

وَلِخُصَمَاءِ اللَّهِ هَاهُنَا تَظَلُّمَاتٌ وَشِكَايَاتٌ، وَلَوْ فَتَّشُوا زَوَايَا قُلُوبِهِمْ لَوَجَدُوا هُنَاكَ خَصْمًا مُتَظَلِّمًا شَاكِيًا عَاتِبًا، يَقُولُ: لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، وَإِنِّي مَظْلُومٌ فِي صُورَةِ ظَالِمٍ، وَيَقُولُ بِحُرْقَةٍ وَيَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ: مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ، لَا قَادِرٌ وَلَا مَعْذُورٌ.

وَقَالَ الْآخَرُ: ابْنُ آدَمَ كُرَةٌ تَحْتَ صَوْلَجَانَاتِ الْأَقْدَارِ، يَضْرِبُهَا وَاحِدٌ، وَيَرُدُّهَا الْآخَرُ، وَهَلْ تَسْتَطِيعُ الْكُرَةُ الِانْتِصَافَ مِنَ الصَّوْلَجَانِ؟ .

وَيَتَمَثَّلُ خَصْمٌ آخَرُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

بِأَبِي أَنْتَ وَإِنْ أَسْ ... رَفْتَ فِي هَجْرِي وَظُلْمِي

فَجَعَلَهُ هَاجِرًا بِلَا ذَنْبٍ، ظَالِمًا، بَلْ مُسْرِفًا، قَدْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي ظُلْمِهِ، وَيَقُولُ آخَرُ:

أَظَلَّتْ عَلَيْنَا مِنْكَ يَوْمًا سَحَابَةٌ ... أَضَاءَتْ لَنَا بَرْقًا وَأَبْطَا رَشَاشُهَا

فَلَا غَيْمُهَا يَجْلُو فَيَيْئَسَ طَالِبٌ ... وَلَا غَيْثُهَا يَأْتِي فَيَرْوِي عِطَاشُهَا

وَيَقُولُ آخَرُ:

يَدْنُو إِلَيْكَ وَنَقْصُ الْحَظِّ يُبْعِدُهُ ... وَيَسْتَقِيمُ وَدَاعِي الْبَيْنِ يَلْوِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>