للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّنْزِيهِ عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ: مُجْمَلٌ، وَمُفَصَّلٌ.

أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَإِثْبَاتُ الْحَمْدِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ: فَذِكْرُ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ، وَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ مَدَارُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

فَأَمَّا تَضَمُّنُ الْحَمْدِ لِذَلِكَ: فَإِنَّ الْحَمْدَ يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ حَامِدًا مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَحْمُودِ، وَلَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتْ صِفَاتُ كَمَالِ الْمَحْمُودِ أَكْثَرَ كَانَ حَمْدُهُ أَكْمَلَ، وَكُلَّمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ نَقَصَ مِنْ حَمْدِهِ بِحَسَبِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا يُحْصِيهِ سِوَاهُ، لِكَمَالِ صِفَاتِهِ وَكَثْرَتِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى آلِهَةَ الْكُفَّارِ، وَعَابَهَا بِسَلْبِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ عَنْهَا، فَعَابَهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَهْدِي، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَهَذِهِ صِفَةُ إِلَهِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّتِي عَابَ بِهَا الْأَصْنَامَ، نَسَبُوهَا إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُحَاجَّتِهِ لِأَبِيهِ {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: ٤٢] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَثَابَةِ لَقَالَ لَهُ آزَرُ: وَأَنْتَ إِلَهُكَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيَّ؟ لَكِنْ كَانَ مَعَ شِرْكِهِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ كَفَّارُ قُرَيْشٍ كَانُوا مَعَ شِرْكِهِمْ مُقِرِّينَ بِصِفَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ١٤٨] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْخَلْقِ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى بُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ بِذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>