للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْأَكْبَرُ يُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ فِي دَرْكِهَا الْأَسْفَلِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ لِلْمُسْلِمِينَ إِيمَانَهُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُنْسَلِخٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مُكَذِّبٌ بِهِ، لَا يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَنْزَلَهُ عَلَى بَشَرٍ جَعَلَهَ رَسُولًا لِلنَّاسِ، يَهْدِيهِمْ بِإِذْنِهِ، وَيُنْذِرُهُمْ بَأْسَهُ، وَيُخَوِّفُهُمْ عِقَابَهُ.

وَقَدْ هَتَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَسْتَارَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَشَفَ أَسْرَارَهُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَجَلَّى لِعِبَادِهِ أُمُورَهُمْ، لِيَكُونُوا مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِهَا عَلَى حَذَرٍ، وَذَكَرَ طَوَائِفَ الْعَالَمِ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: الْمُؤْمِنِينَ، وَالْكُفَّارَ، وَالْمُنَافِقِينَ، فَذَكَرَ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَرْبَعَ آيَاتٍ، وَفِي الْكُفَّارِ آيَتَيْنِ، وَفِي الْمُنَافِقِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً، لِكَثْرَتِهِمْ وَعُمُومِ الِابْتِلَاءِ بِهِمْ، وَشِدَّةِ فِتْنَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَإِنَّ بَلِيَّةَ الْإِسْلَامِ بِهِمْ شَدِيدَةٌ جِدًّا، لِأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونُ إِلَيْهِ، وَإِلَى نُصْرَتِهِ وَمُوَالَاتِهِ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، يُخْرِجُونَ عَدَاوَتَهُ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّهُ عِلْمٌ وَإِصْلَاحٌ، وَهُوَ غَايَةُ الْجَهْلِ وَالْإِفْسَادِ.

فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ مَعْقِلٍ لِلْإِسْلَامِ قَدْ هَدَمُوهُ؟ ! وَكَمْ مِنْ حِصْنٍ لَهُ قَدْ قَلَعُوا أَسَاسَهُ وَخَرَّبُوهُ؟ ! وَكَمْ مِنْ عِلْمٍ لَهُ قَدْ طَمَسُوهُ؟ ! وَكَمْ مِنْ لِوَاءٍ لَهُ مَرْفُوعٍ قَدْ وَضَعُوهُ؟ ! وَكَمْ ضَرَبُوا بِمَعَاوِلِ الشُّبَهِ فِي أُصُولِ غِرَاسِهِ لِيَقْلَعُوهَا؟ ! وَكَمْ عَمَّوْا عُيُونَ مَوَارِدِهِ بِآرَائِهِمْ لِيَدْفِنُوهَا وَيَقْطَعُوهَا؟ ! .

فَلَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مِنْهُمْ فِي مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ، وَلَا يَزَالُ يَطْرُقُهُ مِنْ شُبَهِهِمْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ سَرِيَّةٍ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُصْلِحُونَ {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢] ، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨] .

اتَّفَقُوا عَلَى مُفَارَقَةِ الْوَحْيِ، فَهُمْ عَلَى تَرْكِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ مُجْتَمِعُونَ {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣] ، {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: ١١٢] وَلِأَجْلِ ذَلِكَ {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: ٣٠] .

دَرَسَتْ مَعَالِمُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يَعْرِفُونَهَا، وَدَثَرَتْ مَعَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يَعْمُرُونَهَا، وَأَفَلَتْ كَوَاكِبُهُ النَّيِّرَةُ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يُحِبُّونَهَا، وَكَسَفَتْ شَمْسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>