مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: ٦] ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: ٢٦] ، {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} [الممتحنة: ٧] ، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢١٨] فَالْغِنَى صِفَةُ كَمَالٍ، وَالْحَمْدُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَاقْتِرَانُ غِنَاهُ بِحَمْدِهِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَعِلْمُهُ كَمَالٌ، وَحِكْمَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِكْمَةِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَقُدْرَتُهُ كَمَالٌ وَمَغْفِرَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَالٌ، وَكَذَلِكَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣] وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِلْمِ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢] .
وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ يَقُولَانِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَاثْنَانِ يَقُولَانِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ، فَمَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَفَا، وَلَا كُلُّ مَنْ عَفَا يَعْفُو عَنْ قُدْرَةٍ، وَلَا كُلُّ مَنْ عَلِمَ يَكُونُ حَلِيمًا، وَلَا كُلُّ حَلِيمٍ عَالِمٌ، فَمَا قُرِنَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ، وَمِنْ عَفْوٍ إِلَى قُدْرَةٍ، وَمِنْ مُلْكٍ إِلَى حَمْدٍ، وَمِنْ عِزَّةٍ إِلَى رَحْمَةٍ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩] وَمِنْ هَاهُنَا كَانَ قَوْلُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، أَيْ إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ كَانَ مَصْدَرُ مَغْفِرَتِكَ عَنْ عِزَّةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ، وَعَنْ حِكْمَةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ، فَمَنْ غَفَرَ عَنْ عَجْزٍ وَجَهْلٍ بِجُرْمِ الْجَانِي، فَأَنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا عَنْ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ، وَعِلْمٍ تَامٍّ، وَحِكْمَةٍ تَضَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الدَّالِّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَقَدْ فَاتَتْ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، كَانَ فِي هَذَا مِنَ الِاسْتِعْطَافِ وَالتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا سِيَّمَا وَالْمَوْقِفُ مَوْقِفُ عَظَمَةٍ وَجَلَالٍ، وَمَوْقِفُ انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا، وَاتَّخَذَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ، فَذِكْرُ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِيهِ أَلْيَقُ مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute