أَسْمَاعُ قُلُوبِهِمْ قَدْ أَثْقَلَهَا الْوَقْرُ، فَهِيَ لَا تَسْمَعُ مُنَادِيَ الْإِيمَانِ، وَعُيُونُ بَصَائِرِهِمْ عَلَيْهَا غِشَاوَةُ الْعَمَى، فَهِيَ لَا تُبْصِرُ حَقَائِقَ الْقُرْآنِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ بِهَا خَرَسٌ عَنِ الْحَقِّ فَهُمْ بِهِ لَا يَنْطِقُونَ {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨] .
صَابَ عَلَيْهِمْ صَيِّبُ الْوَحْيِ، وَفِيهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ إِلَّا رَعْدَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكَالِيفِ الَّتِي وُظِّفَتْ عَلَيْهِمْ فِي الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ، فَجَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ، وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ، وَجَدُّوا فِي الْهَرَبِ، وَالطَّلَبُ فِي آثَارِهِمْ وَالصِّيَاحُ، فَنُودِيَ عَلَيْهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَكُشِفَتْ حَالُهُمْ لِلْمُسْتَبْصِرِينَ، وَضُرِبَ لَهُمْ مَثَلَانِ بِحَسَبَ حَالِ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْهُمْ: الْمُنَاظِرِينَ، وَالْمُقَلِّدِينَ، فَقِيلَ {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: ١٩] .
ضَعُفَتْ أَبْصَارُ بَصَائِرِهِمْ عَنِ احْتِمَالِ مَا فِي الصَّيِّبِ مِنْ بُرُوقِ أَنْوَارِهِ وَضِيَاءِ مَعَانِيهِ، وَعَجَزَتْ أَسْمَاعُهُمْ عَنْ تَلَقِّي رُعُودِ وُعُودِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَقَامُوا عِنْدَ ذَلِكَ حَيَارَى فِي أَوْدِيَةِ التِّيهِ، لَا يَنْتَفِعُ بِسَمْعِهِ السَّامِعُ، وَلَا يَهْتَدِي بِبَصَرِهِ الْبَصِيرُ، {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute