وَجُمَلِهِ، سَاءَتْ ظُنُونُهُمْ بِنُفُوسِهِمْ حَتَّى خَشَوْا أَنْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَا حُذَيْفَةُ، نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّ إِيمَانَهُ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: مَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ، قِيلَ: وَمَا خُشُوعُ النِّفَاقِ؟ قَالَ: أَنْ يُرَى الْبَدَنُ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ.
تَاللَّهِ لَقَدْ مُلِئَتْ قُلُوبُ الْقَوْمِ إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَخَوْفُهُمْ مِنَ النِّفَاقِ شَدِيدٌ، وَهَمُّهُمْ لِذَلِكَ ثَقِيلٌ، وَسِوَاهُمْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
زَرْعُ النِّفَاقِ يَنْبُتُ عَلَى سَاقِيَتَيْنِ: سَاقِيَةِ الْكَذِبِ، وَسَاقِيَةِ الرِّيَاءِ، وَمَخْرَجُهُمَا مِنْ عَيْنَيْنِ: عَيْنِ ضِعْفِ الْبَصِيرَةِ، وَعَيْنِ ضَعْفِ الْعَزِيمَةِ، فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعُ اسْتَحْكَمَ نَبَاتُ النِّفَاقِ وَبُنْيَانُهُ، وَلَكِنَّهُ بِمَدَارِجِ السُّيُولِ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَإِذَا شَاهَدُوا سَيْلَ الْحَقَائِقِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَكُشِفَ الْمَسْتُورُ، وَبُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، تَبَيَّنَ حِينَئِذٍ لِمَنْ كَانَتْ بِضَاعَتُهُ النِّفَاقَ أَنَّ حَوَاصِلَهُ الَّتِي حَصَّلَهَا كَانَتْ كَالسَّرَابِ {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: ٣٩]
قُلُوبُهُمْ عَنِ الْخَيْرَاتِ لَاهِيَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ إِلَيْهَا سَاعِيَةٌ، وَالْفَاحِشَةُ فِي فِجَاجِهِمْ فَاشِيَّةٌ، وَإِذَا سَمِعُوا الْحَقَّ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ سَمَاعِهِ قَاسِيَةً، وَإِذَا حَضَرُوا الْبَاطِلَ وَشَهِدُوا الزُّورَ انْفَتَحَتْ أَبْصَارُ قُلُوبِهِمْ، وَكَانَتْ آذَانُهُمْ وَاعِيَةً
فَهَذِهِ وَاللَّهِ أَمَارَاتُ النِّفَاقِ، فَاحْذَرْهَا أَيُّهَا الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بِكَ الْقَاضِيَةُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute