قَالُوا: وَلَوْ قَالَ الْقَتِيلُ: لَا تَقْتُلُوهُ لِأُطَالِبَهُ بِحَقِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَتَلُوهُ، أَكَانَ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: يَسْقُطُ، فَبَاطِلٌ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يَسْقُطُ، فَكَيْفَ تُسْقِطُونَهُ إِذَا اقْتُصَّ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِرِضَا الْمَقْتُولِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ؟ .
وَهَذِهِ حُجَجٌ كَمَا تَرَى فِي الْقُوَّةِ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِأَقْوَى مِنْهَا أَوْ بِأَمْثَالِهَا.
فَالصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا تَابَ الْقَاتِلُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَسَلَّمَ نَفْسَهُ طَوْعًا إِلَى الْوَارِثِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّ مَوْرُوثِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقَّانِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَوْرُوثِ لَا يُضَيِّعُهُ اللَّهُ، وَيَجْعَلُ مِنْ تَمَامِ مَغْفِرَتِهِ لِلْقَاتِلِ تَعْوِيضَ الْمَقْتُولِ; لِأَنَّ مُصِيبَتَهُ لَمْ تَنْجَبِرْ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، فَيُعَوِّضُ هَذَا عَنْ مَظْلَمَتِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ هَذَا لِكَمَالِ تَوْبَتِهِ، وَصَارَ هَذَا كَالْكَافِرِ الْمُحَارِبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إِذَا قَتَلَ مُسْلِمًا فِي الصَّفِّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُعَوِّضُ هَذَا الشَّهِيدَ الْمَقْتُولَ، وَيَغْفِرُ لِلْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا فَإِنَّ هَدْمَ التَّوْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا كَهَدْمِ الْإِسْلَامِ لِمَا قَبْلَهُ.
وَعَلَى هَذَا إِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ وَانْقَادَ فَعَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ وَتَابَ الْقَاتِلُ تَوْبَةً نَصُوحًا فَاللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَيُعَوِّضُ الْمَقْتُولَ.
فَهَذَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ نَظَرُ الْعَالَمِ وَاجْتِهَادُهُ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [النمل: ٧٨] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute