للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ خِلَافٌ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَلَوْ قِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تُقِيدُونَ مِنْهُ إِذَا قَتَلَ بِعَيْنِهِ.

قِيلَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ سَاغَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ، فَيُعِينُهُ إِنْ شَاءَ كَمَا عَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ، وَأَمَّا قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ قِصَاصًا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِجِنَايَتِهِ.

وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنِ الْقَتْلِ بِالْحَالِ هَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ؟ .

فَقَالَ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْحَالِ كَمَا قَتَلَ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَتْلِ بِهَذَا وَبَيْنَ الْقَتْلِ بِالسِّحْرِ حَيْثُ تُوجِبُونَ الْقِصَاصَ بِهِ بِالسَّيْفِ؟ .

قُلْنَا: الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ السِّحْرَ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِ هُوَ السِّحْرُ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَثِيرٌ فِي السِّحْرِ، وَفِيهِ مَقَالَاتُ أَبْوَابٍ مَعْرُوفَةٍ لِلْقَتْلِ عِنْدَ أَرْبَابِهِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِاللِّوَاطِ وَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالسَّيْفِ.

وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ مَا هِيَ عَلَى نُفُوسِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ تَأْوِيلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] .

وَعَلَى هَذَا الشَّبَهِ اعْتِمَادُ أَهْلِ التَّعْبِيرِ لِلرُّؤْيَا فِي رُؤْيَةِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْمَنَامِ عِنْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>