الثَّنَاءِ، وَدُعَاءَ التَّعَبُّدِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيُثْنُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَيَأْخُذُوا بِحَظِّهِمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهَا.
وَهُوَ سُبْحَانُهُ يُحِبُّ مُوجَبَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
فَهُوَ عَلِيمٌ يُحِبُّ كُلَّ عَلِيمٍ، جَوَّادٌ يُحِبُّ كُلَّ جَوَّادٍ، وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ وَأَهْلَهُ، حَيِّيٌّ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَأَهْلَهُ، بَرٌّ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ، شَكُورٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ، صَبُورٌ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، حَلِيمٌ يُحِبُّ أَهْلَ الْحِلْمِ، فَلِمَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ لِلتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ خَلَقَ مَنْ يَغْفِرُ لَهُ، وَيَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَعْفُو عَنْهُ، وَقَدَّرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْمَكْرُوهِ وَالْمَبْغُوضِ لَهُ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمَحْبُوبُ لَهُ الْمُرْضِي لَهُ، فَتَوَسُّطُهُ كَتَوَسُّطِ الْأَسْبَابِ الْمَكْرُوهَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمَحْبُوبِ.
فَرُبَّمَا كَانَ مَكْرُوهُ الْعِبَادِ إِلَى ... مَحْبُوبِهَا سَبَبَ مَا مِثْلُهُ سَبَبٌ
وَالْأَسْبَابُ مَعَ مُسَبَّبَاتِهَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَحْبُوبٌ يُفْضِي إِلَى مَحْبُوبٍ، وَمَكْرُوهٌ يُفْضِي إِلَى مَحْبُوبٍ، وَهَذَانَ النَّوْعَانِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ أَقْضِيَتِهِ وَأَقْدَارِهِ سُبْحَانَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ.
وَالثَّالِثُ: مَكْرُوهٌ يُفْضِي إِلَى مَكْرُوهٍ، وَالرَّابِعُ: مَحْبُوبٌ يُفْضِي إِلَى مَكْرُوهٍ، وَهَذَانَ النَّوْعَانِ مُمْتَنِعَانِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، إِذِ الْغَايَاتُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الَّذِي مَا خَلَقَ مَا خَلَقَ، وَلَا قَضَى مَا قَضَى إِلَّا لِأَجْلِ حُصُولِهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَحْبُوبَةً لِلرَّبِّ مَرْضِيَّةً لَهُ. وَالْأَسْبَابُ الْمُوصِلَةُ إِلَيْهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَحْبُوبٍ لَهُ وَمَكْرُوهٍ لَهُ.
فَالطَّاعَاتُ وَالتَّوْحِيدُ أَسْبَابٌ مَحْبُوبَةٌ لَهُ، مُوَصِّلَةٌ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَالثَّوَابِ الْمَحْبُوبِ لَهُ أَيْضًا. وَالشِّرْكُ وَالْمَعَاصِي أَسْبَابٌ مَسْخُوطَةٌ لَهُ، مُوَصِّلَةٌ إِلَى الْعَدْلِ الْمَحْبُوبِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتِمَاعُ الْعَدْلِ وَالْفَضْلِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ كَمَالِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ، وَتَنَوُّعِ الثَّنَاءِ، وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يُمْكِنُ حُصُولُ هَذَا الْمَحْبُوبِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ الْمَكْرُوهِ.
قِيلَ: هَذَا سُؤَالٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُمْتَنِعٌ، وَالَّذِي يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ وُجُودُهُ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا الْمَطْلُوبِ الْمَحْبُوبِ لِلرَّبِّ، وَحُكْمُ الذِّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ لِلرَّبِّ حُكْمٌ بِلَا عِلْمٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَبْغُوضًا لِلرَّبِّ تَعَالَى لِمُنَافَاتِهِ حِكْمَتَهُ، فَإِذَا حَكَمَ الذِّهْنُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ لَهُ، كَانَ نِسْبَةً لَهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَيَتَعَالَى عَنْهُ.
فَلْيُعْطِ اللَّبِيبُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّهُ مِنَ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةُ أَفْهَامٍ، وَلَوْ