أَصْحَابِهِ، وَذَمَّ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ وَلَعَنَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ سَبِيلًا، وَهُمُ الْقَائِلُونَ فِي النَّارِ {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ١٠] وَهُوَ سَمَاعُ آيَاتِهِ الْمَتْلُوَّةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رَسُولِهِ، فَهَذَا السَّمَاعُ أَسَاسُ الْإِيمَانِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، سَمَاعِ إِدْرَاكٍ بِحَاسَّةِ الْأُذُنِ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَعَقْلٍ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَإِجَابَةٍ وَقَبُولٍ، وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقُرْآنِ.
فَأَمَّا سَمَاعُ الْإِدْرَاكِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ قَوْلَهُمْ {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: ١] وَقَوْلِهِ: {يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: ٣٠] الْآيَةَ، فَهَذَا سَمَاعُ إِدْرَاكٍ اتَّصَلَ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْإِجَابَةُ
وَأَمَّا سَمَاعُ الْفَهْمِ فَهُوَ الْمَنْفِيُّ عَنْ أَهْلِ الْإِعْرَاضِ وَالْغَفْلَةِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [الروم: ٥٢] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] .
فَالتَّخْصِيصُ هَاهُنَا لِإِسْمَاعِ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ، وَإِلَّا فَالسَّمْعُ الْعَامُّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣] أَيْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ قَبُولًا وَانْقِيَادًا لَأَفْهَمَهُمْ، وَإِلَّا فَهُمْ قَدْ سَمِعُوا سَمْعَ الْإِدْرَاكِ {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣] أَيْ وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ لَمَا انْقَادُوا وَلَا انْتَفَعُوا بِمَا فَهِمُوا; لِأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ دَاعِي التَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ مَا يَمْنَعُهُمْ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَا سَمِعُوهُ.
وَأَمَّا سَمَاعُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: ٢٨٥] فَإِنَّ هَذَا سَمْعُ قَبُولٍ وَإِجَابَةٍ مُثْمِرٌ لِلطَّاعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute