إِلَى دِيَارِ الْأَفْرَحِ، وَمُحَرِّكٌ يُثِيرُ سَاكِنَ الْعَزَمَاتِ إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ، وَمُنَادٍ يُنَادِي لِلْإِيمَانِ، وَدَلِيلٌ يَسِيرُ بِالرَّكْبِ فِي طَرِيقِ الْجِنَانِ، وَدَاعٍ يَدْعُو الْقُلُوبَ بِالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ، مِنْ قِبَلِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.
فَلَمْ يُعْدَمْ مَنِ اخْتَارَ هَذَا السَّمَاعَ إِرْشَادًا لِحُجَّةٍ، وَتَبْصِرَةً لِعِبْرَةٍ، وَتَذْكِرَةً لِمَعْرِفَةٍ، وَفِكْرَةً فِي آيَةٍ، وَدَلَالَةً عَلَى رُشْدٍ، وَرَدًّا عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِرْشَادًا مِنْ غَيٍّ، وَبَصِيرَةً مِنْ عَمًى، وَأَمْرًا بِمَصْلَحَةٍ، وَنَهْيًا عَنْ مَضَرَّةٍ وَمَفْسَدَةٍ، وَهِدَايَةً إِلَى نُورٍ، وَإِخْرَاجًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَزَجْرًا عَنْ هَوًى، وَحَثًّا عَلَى تُقًى، وَجَلَاءً لِبَصِيرَةٍ، وَحَيَاةً لِقَلْبٍ، وَغِذَاءً وَدَوَاءً وَشِفَاءً، وَعِصْمَةً وَنَجَاةً، وَكَشْفَ شُبْهَةٍ، وَإِيضَاحَ بُرْهَانٍ، وَتَحْقِيقَ حَقٍّ، وَإِبْطَالَ بَاطِلٍ.
وَنَحْنُ نَرْضَى بِحُكْمِ أَهْلِ الذَّوْقِ فِي سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ وَالْقَصَائِدِ، وَنُنَاشِدُهُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدًى وَشِفَاءً وَنُورًا وَحَيَاةً هَلْ وَجَدُوا ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فِي الدُّفِّ وَالْمِزْمَارِ؟ وَنَغَمَةِ الشَّادِنِ وَمُطْرِبَاتِ الْأَلْحَانِ؟ . وَالْغِنَاءُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُبِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ مُحِبُّ الرَّحْمَنِ، وَمُحِبُّ الْأَوْطَانِ، وَمُحِبُّ الْإِخْوَانِ، وَمُحِبُّ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ، وَمُحِبُّ الْأَمْوَالِ وَالْأَثْمَانِ، وَمُحِبُّ النِّسْوَانِ وَالْمُرْدَانِ، وَمُحِبُّ الصُّلْبَانِ، فَهُوَ يُثِيرُ مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُشْتَاقٍ وَمُحِبٍّ لِشَيْءٍ سَاكِنَهُ، وَيُزْعِجُ قَاطِنَهُ، فَيَثُورُ وَجْدُهُ، وَيَبْدُو شَوْقُهُ، فَيَتَحَرَّكُ عَلَى حَسَبِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْحُبِّ وَالشَّوْقِ وَالْوَجْدِ بِذَلِكَ الْمَحْبُوبِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَلِهَذَا تَجِدُ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ ذَوْقًا فِي السَّمَاعِ، وَحَالًا وَوَجْدًا وَبُكَاءً.
وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! أَيُّ إِيمَانٍ وَنُورٍ وَبَصِيرَةٍ وَهُدًى وَمَعْرِفَةٍ تَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ أَبْيَاتٍ بِأَلْحَانٍ وَتَوْقِيعَاتٍ، لَعَلَّ أَكْثَرَهَا قِيلَتْ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَزَلٍ وَتَشْبِيبٍ بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؟ فَإِنَّ غَالِبَ التَّغَزُّلِ وَالتَّشْبِيبِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ أَنْدَرِ النَّادِرِ تَغَزُّلُ الشَّاعِرِ وَتَشْبِيبُهُ فِي امْرَأَتِهِ، وَأَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، مَعَ أَنَّ هَذَا وَاقِعٌ لَكِنَّهُ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، فَكَيْفَ يَقَعُ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ وَحَيَاةِ قَلْبٍ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ، وَيَزْدَادَ إِيمَانًا وَقُرْبًا مِنْهُ وَكَرَامَةً عَلَيْهِ، بِالْتِذَاذِهِ بِمَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَيْهِ، مَقِيتٌ عِنْدَهُ، يَمْقُتُ قَائِلَهُ وَالرَّاضِيَ بِهِ؟ وَتَتَرَقَّى بِهِ الْحَالُ حَتَّى يَزْعُمَ أَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لِقَلْبِهِ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ! .
يَا لَلَّهِ! إِنَّ هَذَا الْقَلْبَ مَخْسُوفٌ بِهِ، مَمْكُورٌ بِهِ مَنْكُوسٌ، لَمْ يَصْلُحْ لِحَقَائِقِ الْقُرْآنِ وَأَذْوَاقِ مَعَانِيهِ، وَمُطَالَعَةِ أَسْرَارِهِ، فَبَلَاهُ بِقُرْآنِ الشَّيْطَانِ، كَمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا " «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: يَا رَبِّ، اجْعَلْ لِي قُرْآنًا، قَالَ: قُرْآنُكَ الشِّعْرُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي كِتَابًا، قَالَ: كِتَابُكَ الْوَشْمُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا، قَالَ: مُؤَذِّنُكَ الْمِزْمَارُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي بَيْتًا، قَالَ: بَيْتُكَ الْحَمَّامُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَائِدَ، قَالَ: مَصَائِدُكَ النِّسَاءُ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute